الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هو علاج مرض الاضطرابات الوجدانية ثنائية القطبية؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 30 سنة، وقد تزوجت في شهر يوليو من عام 2004 م، وقبل الزواج كنت أعيش حالات من الفرح العارم وكنت مستعجلاً للعرس بحيث أنني كنت أحسب الساعات والثواني، وكنت أعيش في أحلام وأفكار جميلة، ولكن قبل موعد العرس بحوالي عشرين يوماً جاءتني حالة من الاكتئاب والقلق ولم أعرف لها تفسير، وسرعان ما تحولت إلى وساوس قهرية، وفقدت النوم والطعام وخشيت أن يكون شيء من الجن أو الحسد فذهبت إلى شيخ متخصص في علاج هذه الحالات ولم يظهر بي شيء.

ومرت الأيام كالجحيم ومر العرس بدون فرح، وبعد حوالي سبعة أشهر ذهبت إلى طبيب نفسي وشرحت حالتي وأعطاني دواء (السيروكسات) في كل يوم حبة واحدة، وبعد حوالي شهر من العلاج تحسنت حالتي تدريجياً، وهكذا تحسنت حالتي أكثر فأكثر.

وبعد حوالي سنة خفضت نسبة العلاج بواقع نصف حبة في اليوم، وبعد ذلك نصف حبة بعد يومين وهكذا، ولكن الوسواس القهري لا زال موجوداً عندي، حيث أوسوس في أشياء تافهة، وأشعر بقلق كبير، وأرجع إلى الدواء مرة ثانية لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، فهل يمكنك أن تنصحني بالعلاج المغناطيسي؟ وأريد طريقة تخلصني من هذا المرض.

ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فحقيقة لم توضح طبيعة ما تعانيه من هذه الوساوس ومحتوياتها، هل هي أقوال، أم أفعال، أم طقوس، أم مخاوف، أم خيالات، فهناك عدة أنواع من الوساوس، ولكن عموماً في نهاية الأمر وسيلة وطريقة العلاج تقريباً هي واحدة مع تفاوت بسيط، وقد لاحظت أيضاً من السرد الذي أوردته في رسالتك أن مزاجك كان مرتفعاً نسبيّاً قبل الزواج فربما يكون كنوع من التفاعل للحدث الكبير ولكن فجأة أصبت بحالة يمكن أن نسميها اكتئابية قبل الزواج بعشرين يوماً واستمرت معك، وهذا يجعلني أنظر إلى أنه ربما أنت في الأصل تعاني من نوع من الاضطرابات الوجدانية ثنائية القطبية من الدرجة البسيطة.

والآن توجد هذه الحالات بكثرة وحين لا تكون واضحة ربما لا يتم تشخيصها بصورة صحيحة ولابد أن نركز على هذا الأمر؛ لأن وسيلة العلاج الدوائية تختلف في حالة الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وفي حالة الاضطراب الوجداني أحادي القطبية، وكذلك الوساوس القهرية والمخاوف، فالاضطرابات الوجدانية ثنائية القطبية تتطلب أن تعالج عن طريق مثبتات المزاج، في حين أن الاكتئاب والوساوس بالطبع تستجيب إلى أدوية المضادة للاكتئاب.

وعموماً لا أريد أن أدخلك في نزاع ولا أريد أن أدخلك في نوع من المخاوف الجديدة، ولكن أعتقد أن تشخيصك هو أنك تعاني من حالة وجدانية ثنائية القطبية من النوع البسيط، وبعد ذلك أتت عليها الوساوس القهرية، وهذا غير مستبعد لأن منشأ هذه الحالات يعتبر متقارب لدرجة كبيرة من ناحية التغيرات الكيميائية، والبيولوجية التي تحدث في المخ، حيث إن جميعها ربما تكون مرتبطة بتغيرات في مادة السيرتونين، وهنالك الآن حديث عن مسارات عصبية أخرى مثل (سيجما واحد) وكذلك حديث عن مادة تعرف باسم (الجولتميت).

وبالنسبة للعلاج يعرف عن الوساوس القهرية أنها تأتي وتذهب وأنها تكون في حالة خمول، وفي حالة كامنة وربما تظهر بعد ذلك، ولكن عموماً مع تقدم العمر تميل هذه الوساوس القهرية للتلاشي بصورة تلقائية، وفي حالتك أرى أنك يجب أن لا تنزعج ويجب أن لا تكون متشائماً حيال هذه الحالة، فأنت الحمد لله جربت الشفاء وجربت اختفاء هذه الأعراض لفترة طويلة، وحقيقة جرعة الزيروكسات التي تناولتها تعتبر جرعة صغيرة لأن في حالة الوساوس القهرية الجرعة الفعالة يجب ألا تقل عن 40 مليجراماً (حبتين) في اليوم.

ودعنا نبدأ بداية علاجية جديدة وسوف تختفي منك هذه الحالة -بإذن الله تعالى-، أو على الأقل أنك سوف تتغلب على جُلِّ الأعراض ولن تتعطل حياتك مطلقاً، ونحن في بعض الحالات لا نهتم كثيراً لوجود الأعراض، ولكن يهمنا كثيراً أن يكون الشخص فعّالاً في حياته اليومية والمهنية والاجتماعية والأسرية، وهذا هو المقياس للصحة النفسية.

وأبدأ لك بما انتهيت أنت به وهو ما يخص العلاج المغناطيسي، وأؤكد لك أن هذا العلاج -العلاج المغناطيسي- لا يناسب حالتك، فالعلاج المغناطيسي بكل أنواعه ربما يفيد في بعض أنواع الاكتئاب، وهو علاج تجريبي إلى درجة كبيرة وهو يقوم على نفس مبادئ العلاج الكهربائي بدرجة كبيرة، فأرجو ألا تفكر في هذا النوع من العلاج لأني لا أعتقد أنه سوف يعود عليك بنفع والله أعلم، والذي أرجوه منك هو أن تنشط وتقوي فكرة العلاج المعرفي السلوكي، فهذا يجب أن تعطيه جُلَّ اهتمامك لأن العلاج السلوكي قد يظهر للإنسان من الوهلة الأولى أنه أمر بسيط وأنه أمر تلقائي وبدائي وعفوي، ولكن هو يقوم على أسس علمية صحيحة، وباختصار شديد يتمثل العلاج السلوكي في أن تتجاهل الوساوس وأن تحاول أن تحقِّرها وألا تستجيب لها مطلقاً، وهذا ربما يسبب لك نوع من القلق والتوتر في الوهلة الأولى ولكن بالاستمرارية على المقاومة والتحقير سوف يحصل نوع من التحفيز الداخلي الذاتي الذي يقلل كثيراً من الوساوس.

فعليك باستبدال الفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي بما هو مضاد له من أفكار وأفعال، وهذا يجب أن يكون منهجاً تسير عليه بصورة يومية.

ودائماً نقول أن التفكير الإيجابي يعتبر مهماً جدّاً، فكثير من الوساوس وأعراض الاكتئاب والتوتر تجعل الإنسان يفكر سلبيّاً، وعليه أرجو أن تنظر لحياتك بنظرة إيجابية وسوف تجد أن هناك إنجازات طيبة جدّاً، وأرجو أن تركز على ذلك؛ لأن تنمية الفكر الإيجابي يساعد على انخفاض واضمحلال الفكر السلبي، فهذا يجب أن تعطيه اهتمامك.

وأيضاً أرجو أن تكون جيداً في إدارة الزمن لأنه يعتبر الآن أمراً من الفنون الأساسية لأن يتخلص الإنسان من الاكتئاب والقلق والتوتر والمخاوف والوساوس، ضع لنفسك جدولاً يوميّاً وحاول أن تتبعه، ويجب أن تشكل نشاطاتك ما بين القراءة والراحة والعمل والرياضة والعبادة والتواصل الاجتماعي... فهذا يؤدي إلى نوع من التحفيز الإيجابي بشكل واضح ويقلل كثيراً من الأعراض.

والخط الثاني في العلاج بعد العلاج السلوكي هو العلاج الدوائي، والذي أراه أنك من الأفضل أن تتناول الفافرين الذي يعتبر علاجاً جيداً ويتميز بأنه من الأفضل الأدوية المعالجة للوساوس خاصة الوساوس المصحوبة بالقلق والاكتئاب؛ لأن الدراسات الحديثة الآن تشير إلى ذلك، فابدأ جرعة البداية للفافرين 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى 100 مليجرام لمدة شهرين، وإذا لاحظت تحسناً فهذا أمر طيب واستمر على نفس الجرعة حتى تكمل تسعة أشهر، ثم خفضها إلى 50 مليجرام لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

وأما إذا لم تحس بأي نوع من التحسن فارفع الجرعة إلى 200 مليجرام، ويمكن تناول هذه الجرعة بمعدل حبتين ليلاً من فئة 100 مليجرام كجرعة واحدة، أو كجرعتين (حبتين)، بمعنى أن تكون 100 مليجرام ظهراً، و100 مليجرام ليلاً، واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وإن شاء الله معها سوف يأتي التحسن والشفاء بإذن الله تعالى، وبعد انقضاء ستة أشهر ابدأ في تخفيض الجرعة بمعدل 50 مليجرام كل شهر حتى تتوقف عنه.

وإذا حدث أي نوع من تقلب المزاج، أي إذا شعرت بلحظات من الارتياح الشديد تناوبها لحظات من الاكتئاب وعدم الارتياح هنا يجب أن تضيف أحد مثبتات المزاج والذي من أفضلهم هو (دباكين كرونو) وأنت لن تحتاج لجرعة كبيرة منه، بل تحتاج لحبة واحدة (500 مليجرام) واستمر عليها طول مدة العلاج، أي طول مدة استعمال الفافرين التي تتمثل في ستة إلى تسعة أشهر.

وأعتقد أنه من الأفضل أن تراقب نفسك -كما ذكرت لك- وبعد شهرين إذا رأيت أي تغيرات في المزاج يمكن أن تضيف مثبت المزاج (دباكين كرونو).

أسأل الله لك الشفاء والعافية، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً