الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشخصية الانطوائية .. صفاتها وكيفية علاجها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيراً على هذا الركن الرائع والذي استفدنا منه كثيراً جعله الله في موازين حسناتكم.

أخي يبلغ من العمر 17 عاماً، عندما كان طفلاً صغيراً (وله أخ يصغره) كانت أمي تهتم بالأخ الأصغر وتفضله دائماً عليه، ودائماً تسفه أخي هذا وتتهمه بأنه لا يحسن شيئاً، وتضع الأخطاء عليه وتشدد عليه في العقوبات.

أنا كنت أهتم به أكثر لأخفف عنه لكني لم أكن دائماً موجودة معهم.

كذلك فإنه تعرض لظروف في دراسته حيث كان أصغر من زملائه وفي فترة ألزمهم والدي بترك الذهاب للمدرسة والدراسة شبه المنزلية.

عندما وصل للمرحلة الثانوية لاحظت أنه بدأ يهتم بدراسته جداً، وأصبح قلقاً على مستقبله جداً بطريقة لا تتناسب مع سنه، حتى أنه ترك اللعب مع أقرانه حتى في العطلات وأصبح يقضي كل وقته على مكتبه أمام كتبه وفي هذا السن أيضاً كانت بداية بلوغه.

والآن هو في العام الأول الجامعي وقد أنهاه بتفوق ـ والحمد لله ـ ومستواه الدراسي طيب جداً وأصبح في دراسته أكثر ثقة في نفسه ويعتمد على نفسه ولا يحتاج لمساعدتنا رغم أن والدي كان يقول عنه أنه لن يفلح في دراسته في كلية علمية لأن مستواه ضعيف وفهمه ضئيل (هو في الحقيقة ليس كذلك، لكنه لم يعط حقه في التعليم في المدارس على أيدي المدرسين الخبراء بل كان جل اعتماده على نفسه في الدراسة).

المشكلة أنه ليس له أصدقاء ودائماً وحيد وأخي الأصغر منه يقول أنه غير مقبول بين الشباب ودائماً يفتعل المشاكل معهم.

حتى زملاءه في الجامعة تقتصر علاقته معهم على الدراسة فقط.

أنا ألاحظ دائماً أنه ليس لديه ثقة في نفسه ويعوض ذلك بالتظاهر بالكبر والغرور، وإذا قام بأي مهمة فإنه يفتخر بنفسه جداً حتى لو كان أمراً تافها.

أمي ما زالت تسفهه وتستقل بقدراته في الحياة العملية لكنها تمتدح اجتهاده في الدراسة، ودائماً يتشاجر معها وتدعو عليه ثم يطلب منها الصفح وهو متعلق بأمه جداً وأكثر من يحبها ويخاف عليها في المنزل؛ لكنه لا يحسن التعبير عن ذلك بل دائماً يضايقها ويتشاجران.

وجميع من في المنزل يسخرون منه وهو أصبح كثير الشجار مع الجميع لكنه حنون جداً، علما بأن جميع من في المنزل في شجار دائم مع بعضهم وأعتقد أن ذلك يعود لعدم التوافق بين الوالدين وكثرة شجارهما.

كذلك فهو خجول جداً ولا يحب الاحتكاك بالآخرين ويستحي من مواجهتهم، ومن ذلك أنه يستحيي من الاتصال بأي أحد لا يعرفه، ويستحي من سؤال أي أحد خارج المنزل لا يعرفه.

أنا أشفق عليه وأحزن لعزلته وأتمنى مساعدته لكن لا أعرف كيف ولا أعرف ما هو سبب هذه الحالة.. هل هو بسبب التربية الخاطئة أم أنها طبيعة وظهرت بعد بلوغه أكثر؟

هو في طبعه شديد الخوف لكنه يدفع ذلك بالتهور، فإذا عبر الطريق مثلاً لا يقف للسيارات وفي أمور كثيرة لاحظت تهوره وتعجله ليثبت شجاعته.

أما بالنسبة لحالته الدينية: فقد كان متديناً جداً ويراقب الله في كل أموره من طفولته، لكنه الآن بعد أن انتقل لمكان آخر وبسبب الدراسة المختلطة في الجامعات والتي لابديل لها في بلادنا قل التزامه كثيراً وتأثر كثيراً بمن حوله، لكنه يحافظ على الصلوات في وقتها وقد أصبح يجادل كثيراً كلما نصحته في أمور دينية المقصر فيها.

أنا أعلم أن هذا السن حرج ولذلك أحاول ألا أثقل عليه، لكن أطمئن أنه ما زال في دائرة الأمان فلا يذهب لأماكن سيئة ولا يشرب الدخان أو يحلق اللحية ( وإن كان يخففها ) وليس لديه صحبة سيئة؛ لأن جميع إخواني الكبار مروا بفترة المراهقة لكنهم يرجعون إلى ما ربوا عليه بعدها إلى حد كبير.

أعرف أن كلامي مبعثر وغير منظم، وأني أطلت عليكم كثيراً لكن أردت أن أذكر كل ما أعتقد أن له تأثيراً على شخصيته لعلكم تستطيعون تحليلها وتوضحون لي موضع الخلل وكيفية التعامل معه ومساعدته ليكون شخصاً طبيعياً واثقاً من نفسه.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذا الأخ بعد هذا الوصف الدقيق من قبلك أقول لك أنه يعاني من شخصية انطوائية، هو يحمل كل سمات الشخصية الانطوائية، وأسباب الشخصية الانطوائية ربما تلعب التربية دوراً فيها، بالطبع ربما تكون معاملة الوالدة له دون أن تقصد إيذائه بالطبع ربما تكون أثرت عليه سلباً، ولكن في ذات الوقت ربما يكون لديه أصلاً الاستعداد في شخصيته ليصبح شخصية انطوائية.

أختي الفاضلة، الشخصية الانطوائية بالطبع هي شخصية غير فعالة اجتماعياً، ولكن كثيراً من الذين يعانون من الشخصية الانطوائية هم الحقيقة من الذين لديهم خيال خصب جداً، الكثير من الكتاب، والكثير من الشعراء، والكثير من الذين ظهروا وتميزوا في مجالات الأدب، وحتى في بعض أصناف الإختراعات هم كانوا من الشخصيات الانطوائية، هؤلاء الناس لديهم مقدرة فعالة جداً فيما يخص المقدرة المعرفية والخيال، لديهم خيال خصب جداً، ولكن كما تفضلت بكل أسف لديهم إعاقة اجتماعية كبيرة، وهي عدم التفاعل، عدم التواصل مع الآخرين، وربما يتواصل مع دائرة صغيرة جداً من المعارف، ويكون في بعض الأحيان قلق حيالهم، أو ربما يعاملهم بقسوة أو شدة؛ لأنه يحاول أن يثبت ذاته، وأتصور أن ذلك ينطبق على هذا الأخ، عموماً أختي الفاضلة لابد أن يُشرح لهذا الأخ هذه العلة التي يعاني منها، وأفضل أن يقوم بذلك أحد المختصين ولكن إطلاعه على حقيقة الأمر هو في حد ذاته يجعله يفهم شخصيته ويفهم نفسه، الآن هو لا يتوعى ولا يدرك بصورة صحيحة ماهية شخصيته وأبعادها والعلة التي بها، يشرح له عن الشخصية الانطوائية، ما يميزها، وما يعيبها، وما تفتقره وما يمكن أن يقوم به، هذا أمر أساسي وضروري جداً، ومن خلال هذه الوسيلة يمكن أن يتعاون الإنسان مع طريقة العلاج، العلاج حقيقة يتطلب الصبر، يتطلب المثابرة؛ لأنه في معظمه يعتمد على التواصل الاجتماعي، وتطوير المهارات الخاصة والمهارات الاجتماعية.

الذي أود أن أقوله أن هذا الأخ يجب أن تتاح له الفرصة بأن تكون له الصحبة الطيبة، يكون له بعض الأقران الذين يفهمون طبيعة مشكلته أنها شخصية انطوائية وأنه في حاجة لهم، وأنه لابد أن يتفاعل معهم.

علمياً يقال أن الشخصية الانطوائية تحتاج إلى احتكاك يومي مع مجموعة من الناس لا يقل عن ست ساعات، احتكاك بقصد العلاج، تواصل، تفاعل مع هذه المجموعة، ويمكن لهذه التفاعلات أن تكون بعدة وسائل، على سبيل المثال يمارس الرياضة الجماعية مع مجموعة من الناس، هذا نوع من التفاعل، يحضر حلقة تلاوة القرآن هذا نوع من التفاعل الاجتماعي، يأخذه أصدقائه إلى المناسبات الاجتماعية، إلى الأفراح، إلى الأتراح...وهكذا، هذا نوع من التفاعل الاجتماعي.

إذن الاحتكاك والتفاعل الاجتماعي يعتبر هو الأمر الأساسي والضروري جداً بالنسبة لهم.

ثانياً: يجب أن يشجع – والحمد لله هو جيد على المستوى الأكاديمي-، ويمكن أن يشجع في هذا السياق، ولكن لابد أيضاً أن يوجه نحو الاحتكاك الاجتماعي كما ذكرت لك.

تطوير المهارات الاجتماعية الشخصية، بأن يتعلم أن ينظر للناس في وجوههم حين يتحدث إليهم، أمر بسيط ولكنه ضروري جداً، ألا يستعمل يديه في الكلام، هذا أمر ضروري جداً، أن تكون هنالك بعض الجلسات الأسرية أو مع المقربين من الأصدقاء، وفيها يوكل له بعض المواضيع، حتى يطرقها، ويتحدث فيها، يطلب منه بالطبع أن يحضر موضوعاً بسيطاً، ثم يأتي بعد ذلك ويطرق هذا الموضوع ويتحدث فيه.

لا بد له دائماً من تخير الصفوف الأمامية في المناسبات في المسجد، لا يجلس في الصفوف الخلفية، يجب أن يكون في الصفوف الأمامية.

إذن هذه هي وسائل العلاج التأهيلية الاجتماعية، والتي تقوم على التواصل الاجتماعي، والاحتكاك الاجتماعي المفيد، وتطوير المهارات الاجتماعية الشخصية تساعد كثيراً.

أختي الفاضلة، هنالك بعض الأدوية البسيطة جداً ربما تساعد أيضاً في أن تحرك الدوافع الداخلية لدى الشخصية الانطوائية من هذا النوع، هنالك دوائين، الأول يعرف باسم بروزاك وجرعته هي 20 مليجراما، والدواء الثاني يعرف باسم استلزين، وجرعته هي واحد مليجرام في اليوم.

أتمنى أن يتناول هذا الأخ هذين الدوائين، ولكن لابد أن يُشرح له أنه ليس مريضاً، ولكن هذه ظاهرة من الظواهر النفسية تعالج عن طريق الإرشادات السابقة وكذلك تناول الدوائين المذكورين، علماً بأن هذه الأدوية بفضل الله تعالى هي من الأدوية السليمة، وقليلة الآثار الجانبية جداً، جرعة البروزاك كما ذكرت لك هي كبسولة واحدة في اليوم أتمنى أن يتناولها لمدة ستة أشهر وكذلك الاستلزين جرعته هي واحد مليجرام يتناوله لمدة ثلاثة أشهر فقط.

أسأل الله له التوفيق، وأتمنى أن أراه يوماً من الكتاب أو من الموهوبين، وكما ذكرت لك الشخصية الانطوائية لديها هذه المقدرات.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً