الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضته لأنه بخيل ثم حزنت وبكيت!!

السؤال

السلام عليكم.

أشكركم جزيل الشكر على اهتمامكم بالأسئلة التي أبعثها، وشكراً على الرد المفصل، جزاكم الله عنا كل خير.

سؤالي هو: في حال طلب مني شخص مقرب لي جداً، مثل أبي أو أمي أو أخي أو زوجة أخي المتوفى مبلغاً من المال، ولم يكن عندي هذا المبلغ فقمت باستلاف المبلغ، وأرسلته لهم حتى لا أشعرهم بالإحراج أولاً، وحتى أحسسهم بالاطمئنان والراحة وعدم إحساسهم باليأس ثانياً، وثالثاً وهو السبب الرئيسي بأنهم يتصورون بأني مرتاحة مادياً، فلهذا يطلبون مني وأنا لا أستطيع أن أقول لهم بأن دخلي محدود، ولا أستطيع دائماً تلبية طلبهم، لأني أخجل من أن أردهم، ويصعب عليَّ قول كلمة (لا تطلبوا مني) ليس خجلاً من وضعي المادي، بل لأني لا أريد أن يلجؤوا لشخص غريب عنهم.

وفي الفترة الأخيرة صرت أستلف لأعطيهم وأقول في نفسي: إن الله سييسر الأمور ويرزقني لأسدد هذا المبلغ، فهل تصرفي هذا فيه نوع من عدم حسن التصرف، أم هذا أمر طبيعي؟ علماً بأني سعيدة كل السعادة وأنا ألبي لهم مطالبهم، ولم أحسسهم في يوم بأنهم يثقلون عليَّ.

إخوتي في الله: بعد كل الاستفسارات التي استشرتكم بها، وأتعبتكم معي طوال هذه الفترة بأسئلة كثيرة عن الرجل الذي تقدم لي، ونصحتموني بأن أسأل عنه أصحابه المقربين عن بعض الصفات، وبعد تفكير طويل واستخارة الله عدة مرات، قدراً عرفت من شخص قريب إلينا جداً -وهو شخص خلوق وذو دين- أن الرجل الذي يريد الزواج مني بخيل؛ فقلت له: الحمد لله أنني عرفت فيه هذه الصفة قبل الارتباط؛ لأني أكره البخل جداً وأخافه، وبعدها قررت ترك هذا الرجل، فعندما اتصل بي أبلغته بكل احترام بأنه لا يوجد نصيب بيننا ولم أخبره عما سمعته، ولم أبلغه عن معرفتي بوجود هذه الصفة فيه كي لا أحرجه، أو أسبب أي مشكلة لأي شخص، وقلت له: سامحني إذا تأخرت عليك بالرد، وقال لي: لا، بالعكس لقد كان كلامك معي طيباً، وقلت له: أتمنى من الله أن يرزقك الزوجة المناسبة ورد عليَّ كذلك، وأغلقت الهاتف وجلست وحدي وبكيت، وقلت: الحمد لله على كل حال.

لا أعرف لماذا بكيت هذه المرة، لم أشعر بهذا الإحساس سابقاً عندما كنت أرفض الذين يتقدمون لي، ولم أحزن لهذه الدرجة، مع العلم أني ارتحت لأني لم أتسرع بالخطوبة، ولكني حزنت لأني عرفت عنه هذه الصفة التي عرقلت خطبتي، فهل أحسنت التصرف أم أني تسرعت أم ماذا؟

أصبحت حزينة؛ لأني أرفض كل من يتقدم لي، وأحسست إحساساً غريباً، لا أدري لماذا أحسست بتأنيب ضمير، وكأني عملت شيئاً يغضب الله، فهل تصرفي هذا فيه إثم؟ أقصد رفضي له؛ لأنه بخيل، هل هذا التصرف يغضب الله؛ لأني دائمة الدعاء لله بأن يرزقني الزوج الصالح، فهل رفضي له -بعد أن رزقني الله- فيه عدم قناعة أو نوع من التبطر أو اعتراض على رزق؟ وهل حزني هذا ناتج عن عمل غير صحيح أم ماذا؟ انصحوني فإني بحاجة إليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Dana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن المسلم إذا كان في عون أخيه كان الله في وعونه، وخير الناس أنفعهم للناس، وقدوة أهل الخير والبذل هو رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الذي كان لا يرد سائلاً، وقد لقي رجل سفيان بن عتبة فسأله فلم يجد ما يعطيه فبكى سفيان وقال: (إن هذا ظن بي الخير ولم يجد عندي شيئاً)، وكان في السلف -رضوان الله عليهم- من يتحملون الحمالات لسد الحاجات، وقد أحلت الشريعة لمن تحمل حمالة أن يسأل حتى يصيب سداداً من عيش، خاصة عندما تكون تلك الحمالات في الإصلاح وصيانة الدماء.

وقد أسعدني هذا الحرص على الخير، وأفرحني حرصك على صيانة مشاعر المحتاجين، ولك منا البشرى على سرورك بالبذل وقضاء الحوائج والمؤمنة تسرها حسنتها وتسوؤها سيئتها، واحمدي الله الذي أعطاك ما تساعدين به أهلك والمحتاجين، وليس تصرفك تصرف سوء بل أنت محسنة (وما على المحسنين من سبيل) ولكن ينبغي الاعتدال في ذلك فإن الله سبحانه يقول: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)[الإسراء:29].

ومدح المؤمنين فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67]، فالاعتدال مطلوب وفيه عون لك على الاستمرار في عمل الخير وبذل المساعدات، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله ومرحباً بك في موقعك، وكم نحن سعداء بسؤالك ومشاعرك، ونسأل الله أن يكثر في أمتنا من أمثالك، وبشرى لك بعمل الخير، وأرجو أن تجعلي نيتك لله خالصة، واعلمي أنه ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وما نقص مال من صدقة)، وقد وعد الله من ينفق بأن يخلف له فقال: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ:39]، وأن يتقبل منك.

وأما عن سؤالك الثاني: فإنه ليس لبخيل في ود النساء نصيب، والبخيل بعيد من الله وبعيد من الناس، والبخل عيب وأي عيب، ولن تندمي على رجل رفضته من أجل بخله، وقد أحسنت في الاعتذار له، ولا شيء عليك من الناحية الشرعية، وقد أعجبني دعاؤك له بأن يرزقه الله الزوجة الصالحة، وأحسب أنه كان يعبر عن ارتياحه عندما دعا لك بالمثل، ونسأل الله أن يسهل أمرك وأمره، وأن يقدر له ولك الخير ثم يرضيك به.

ولا داعي للحزن والبكاء، فسوف يأتيك ما قدره لك رب الأرض والسماء، فسبحان من بيده مقادير كل شيء وهو يفعل ما يشاء.

وطالما أنت ممن يكرهون البخل فلن تتمكني من العيش مع البخيل، وذلك لأن مسيرة الحياة الزوجية طويلة، ولكننا ندعوك في المستقبل إلى أن تكون نظرتك شاملة للأمور، لأن الإنسان لا يجد شخصاً يخلو من العيوب، ولذلك فعلينا أن نسدد ونقارب ونوازن، ونجعل الدين والأخلاق أساساً للقبول والرفض، ثم ينظر بعد ذلك في الجوانب الأخرى، كما أرجو أن تركزي على قبولك للرجل وميلك إليه، وذلك لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

واعلمي أن كل شيء بقضاء وقدر، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده، ولا تقولي: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قولي: قدر الله وما شاء الله فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان، وهمّ الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، وهذه وصيتي لك بتقوى الله والحرص على طاعته.

ونسأل الله أن يكتب لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً