الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ممارسة مهنة طب الأسنان لمريض الانفصام، ما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم

هل لمن عنده انفصام ذهاني له أن يعمل كطبيب أسنان عام؟ وإذا كان لا، ففي أي تخصص من تخصصات طب الأسنان يستطيع العمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي أشكرك كثيراً على هذا السؤال، وهو سؤال جيد.

بالطبع هذا الموضوع قد أثير من عدة جهات، وهنالك اختلافات كثيرة في وجهات النظر، هل يستطيع الإنسان الذي يعاني من مرض الفصام الذهاني أن يمارس مهنة الطب أو مهنة التمريض؟

اختلفت الآراء كثيراً، ولكن الشيء الذي تم الإجماع حوله بصورة شبه كاملة هو أن الإنسان إذا كان لا يعاني من أعراض نشطة للمرض فلا مانع مطلقاً أن يعمل كطبيب، ولكن إذا كانت هنالك أعراض نشطة لهذا الشخص فلا يصلح أن يعمل طبيباً في الأصل؛ لأن الطب مسئولية قانونية ومسئولية أخلاقية، ويمكن أن يكون الطبيب المريض إنساناً ممتازاً وصاحب خلق، وصاحب معرفة، ولكن ربما تحدث له نوع من التهيؤات ومن الأفكار التي ربما تعيق أداءه أو توجهه أو معاملته لمريضه، وهنا بالطبع سوف تأتي المسئولية.

أعرف أن منظمات أو شركات التأمين على الأطباء في الدول الغربية لا تقوم بإعطاء تأمين للطبيب الذي يعاني من مرض عقلي كمرض الفصام، وفي منطقتنا أعرف من يعاني من هذا المرض، وأنهم يعملون بصورة معقولة جداً، وأعتقد بالنسبة لهذا الأخ -شفاه الله- من الأفضل أن يعمل في طب الأسنان العام إذا كان يرى أن ذلك هو الأنسب، ولا أعتقد أن هنالك ما يمنعه من القيام بتخصصات على أن يبتعد من التخصصات الجراحية في الأسنان؛ لأن الجراحة تتطلب الكثير من التركيز، وهنالك مسئولية طبية أضخم، لا شك إذا حدث أي شيء حتى ولو كان أمراً عارضاً دائماً فسوف تكون هنالك آلام على الطبيب، وأنه مريض؛ ولذا قام بهذا الخطأ أو حدثت هذه الآثار الجانبية من الجراحة التي قام بإجرائها وهكذا؛ لذا أنا شخصياً لا أنصح مطلقاً بأن يتخصص طبيب الأسنان في التخصصات الجراحية ما دام يعاني من مرض الفصام.

وأعتقد أن تقويم الأسنان ربما يكون هو التخصص المعقول جداً، وبالطبع الرغبة تلعب دورا.

الشيء المهم جداً والذي أود أن أركز عليه هو أن تناول العلاج والالتزام بالدواء ضروري -والحمد لله- وبفضل الله تعالى توجد أدوية فعالة جداً تجعل حتى الطبيب يمارس مهنته وهو يعاني من هذا المرض ما دام يتناول أدويته بصورة منتظمة وصحيحة، وسوف يظل المرض -إن شاء الله- خامداً، ولن تظهر أي أعراض على الإنسان، ويمكن للإنسان أن يعيش حياة طبيعية بقدر المستطاع.

وهنالك أمر أرجو أن تعرفه: أن مرض الفصام ليس بمرض واحد، هنالك عدة أمراض تسمى بالأمراض الفصامية، وفي كثير من الحالات ليس المهم الأعراض، ولكن المهم الأثر الذي يتركه المرض على شخصية الإنسان، وهذه الأمراض في بعض الحالات قد تدهور الشخصية، وقد تجعل الإنسان لا يتواصل بصورة جيدة أو لا يهتم بمظهره وبنفسه وهكذا، ولكن هنالك من تظل شخصياتهم متماسكة وقوية وفعالة، وهذا أعتقد أنه أمر مهم جداً إذا كانت الشخصية لا زالت متماسكة ولم تتفتت، ولم تتخلخل، هذا بالطبع يساعد أيضاً في أن يمارس الإنسان مهنته إذا كانت طبا أو خلافه.

الشيء الآخر أعتقد أنه مهم، وهو المسئولية الأخلاقية، فعلى الإنسان إذا كان يعاني من هذه الأمراض أن يقيم نفسه أيضاً، خاصة حين يكون في حالة عقلية وذهانية، هل يستطيع أن يمارس هذه المهنة؟ هل يستطيع أن يقدم للناس ما يفيدهم؟ هل يستطيع أن يتحمل المسئولية؟ ولا مانع أن يناقش الإنسان الطبيب المعالج، وأنا -بفضل الله تعالى- اتصل بي الكثير من الإخوة من تخصصات مختلفة، ويعانون من هذه الأمراض، الذهان، والاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وهي الأمراض الرئيسية -وإن شاء الله- نسدي لهم النصيحة دائماً فيما نستطيع، ولابد أن يكون هنالك توازن ما بين مصلحة المريض نفسه، وما بين مصلحة الآخرين، ومصلحة العمل، فأعتقد أن التحاور مع الطبيب المعالج في مثل هذه الحالات يمثل ركيزة أساسية للإرشاد النفسي الفعال.

وبالله التوفيق والسداد.

انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم ــ أخصائي أمراض نفسية ـ ويليها إجابة المستشار الشرعي الشيخ / أحمد مجيد الهنداوي.
_____________________________________________

فهذا سؤال مهم غاية الأهمية، فإن مسئولية معالجة المريض وبعبارة أخرى مهنة الطب مهنة حساسة لها آثارها، والأخطاء فيها لها حسابها حتى ولو كانت أخطاءً قد تتعلق بأضرار ليست بالشديدة على المريض المعالج، ولكن بالجملة فإن المريض لا يذهب إلى الطبيب إلا وهو يريد أن يعالج نفسه.

وبعبارة أخرى: أن يخرج من حال المرض إلى حال الشفاء، ولا ريب أن إيصال الضرر إلى الناس هو من الأمور المنهي عنها كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه أحمد في المسند، (لا ضرر) أي: فلا يحل للإنسان أن يضر نفسه، (ولا ضرار) أي: فلا يحل له أن يضر غيره، وإذا كان الإنسان قد حُرم عليه أن يضر نفسه فمن باب أولى قد حرم عليه أن يضر غيره.

فهذه المقدمة تعين على تقرير الحكم الشرعي في هذه المسألة الدقيقة، وهي تحتاج إلى عدة مقدمات تعين على الوصول إلى المقصود -بإذن الله عز وجل- فأصل ذلك أن مهنة الطب كسائر المهن التي لا بد من أن يكون صاحبها متقناً إياها -وهذا أمر مسلَّمٌ لنظركم الكريم- وفوق ذلك لا بد أن يكون لدى الطبيب الاستعداد الذي يجعله محافظاً على ما لديه من إتقان عند مباشرة معالجة المريض، وهذا الاستعداد هو الذي قد يُخِلُّ به حصول بعض الأمراض للطبيب، فجميع الذهانات العقلية تؤدي إلى اضطراب نفسيٍ -كما هو معلوم- ولكن قد لا يكون هذا الاضطراب سبباً في أن تختل قدرة الطبيب المعالج علاج مريضه بالصورة السليمة المطلوبة، وهذا يُشرح بالمقدمة الثانية وهي:

أن المرض الذهاني -كما لا يخفى على نظرك الكريم- يُصنف من ضمن الأمراض العقلية، وهو ليس راجعاً إلى أسبابٍ عضوية في الغالب، وإنما هو راجع إلى خلل في الوظيفة التي يؤديها الجهاز العصبي مع سلامته عضوياً، وهذا مرجعه في الأصل إلى أمور نفسية وقعت للإنسان فأدى إلى حصول المرض الذهاني.

وهذا نفسه يبين أن الاستعداد الأصلي من الناحية العضوية موجود، فلم يبق إلا الاستعداد النفسي والعقلي لأداء المهام المطلوبة، وهذا يحتاج إلى النظر في الآثار التي تظهر عند حصول هذا الاضطراب للطبيب المعالج المصاب بأحد الذهانات العقلية، فإن كان المرض الذي لديه يؤدي إلى اضطرابه وعدم إمكان أن يعالج مريضه بالصورة السليمة نظراً لحدة الأعراض التي تظهر عليه وآثارها؛ فهذا حينئذ يُمنع شرعاً من أن يُعالج المريض، لأنه سيتسبب في ضرره، وأقل الأحوال أن يكون إيصال الضر إلى المريض غالباً وليس يسيراً، وقاعدة الشرع أنها مبنية على جلب المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها، وهذا يُشرح أيضاً بطريقة أخرى، وهي في المقدمة الثالثة وهي:

أن الطبيب متى ما لمس من نفسه أنه قادر على الأداء السليم، وقاس ذلك أثناء حدوث النوبات التي قد تصيبه، أو الأعراض التي قد تظهر عليه في حالة الاضطراب الوجداني مثلاً؛ فحينئذ إن وجد من نفسه أنه قادر على أداء عمله على الطريقة السليمة، وثبت أنه لا ضرر أبداً من وجود الأعراض لديه مع ممارسة عمله؛ فلا حرج عليه في أن يمارس مهنته بصورة عادية، وأن يعالج المريض، وأن يأخذ الأجر عليه أيضاً.

وأما إن ثبت أنه يضطرب اضطراباً يجعله فاقد التركيز أو ضعيفا، وربما أدى إلى عدم إتقان علاجه أو إيصال الضرر للمريض؛ فإنه يحرم عليه شرعاً أن يكون في هذه الحالة معالجاً للمريض، لأنه قد يتسبب في ضره، وقد قدمنا القاعدة العظيمة في هذا، والذي بيَّنتها هذه الشريعة الكاملة.

فالمهنة الطبية هي مسئولية شرعية في المقام الأول؛ ولذلك فإن الطبيب لو أنه قد عالج مريضاً وهو في حالة مرضية لا تسمح بأن يؤدي عمله على الوجه السليم فإنه يؤاخذ شرعاً من ناحية الإثم، ويؤاخذ شرعاً من ناحية الاستحقاقات المادية التي للمريض أن يطالب بها عوضاً عمَّا تسبب له من ضرر معتبر في الشرع.

فثبت بهذا أن الأمر لا يقاس بمقياس واحد؛ لأن الذهانات العقلية كثيرة وعديدة، ومع كثرتها وتعددها فإنها ليست على درجة واحدة، فإن المريض قد يُصنف أنه مريض بأحد الذهانات العقلية مثلاً كالاضطراب الثنائي القطبية على سبيل المثال، ومع هذا فقد تجد أن بعض الحالات أهون بكثير من بعض الحالات الأخرى، بل إن بعض الأمراض قد يُشتبه في تصنيفها هل هي من الذهانات العقلية أم أنها مصنفة من الأمراض النفسية التي لم تصل إلى درجة الذهان؟

وهذا أيضاً يحتاج إشارة إلى أن الأمراض النفسية نفسها قد تصل إلى حالة حادة في بعض الأحيان فتؤثر على أداء الطبيب، فإن المرض بالقلق الشديد والمخاوف التوقعية (الرّهاب)، أو الوساوس الشديدة قد تصل بالإنسان إلى إضعاف تركيزه وإلى التأثير على إتقانه لعمله، وربما حصل له شيء من الاضطراب الذي يؤدي إلى الخلل في أثناء قيامه بوظيفته.

فالأمر ليس خاصاً بمرضى الذهانات العقلية، بل قد يكون منسحباً أيضاً على الأمراض النفسية التي قد تصل إلى حالة من الشدة المعتبرة، بل إن مما يفيدك في هذا أن تعلم أن أنواعاً من الذهان إنما تكون أصلاً في بدايتها أنواعاً من الاضطراب النفسي، فالاضطراب الثنائي القطب ما هو إلا حالة متقدمة جدّاً من الاكتئاب؛ ولذلك فإن من أسمائه أيضاً (الهوس الاكتئابي)، وكذلك الوساوس التي قد تصل إلى درجة الإطباق فإنها قد تصل إلى درجة الذهان، وهذا أمر يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، ولا يحتمله مثل هذا الجواب، وقد عرفت بذلك التفصيل فيه.

نسأل الله -عز وجل- لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يزيدك من فضله، وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته، وأن يشفي مريضكم.
وبالله التوفيق.
--------------
انتهت إجابة الشيخ الهنداوي يليها تعليق طبيب الأسنان الدكتور/ ماهر البرديني:

إن من أهم الأمور التي يجب أن يتصف بها الطبيب عامة، وطبيب الأسنان خاصة:

1- الأخلاق الحميدة، والقدرة على علاج المرض نفسياً حتى يتهيأ للعلاج المناسب.

2- تحمل المسئولية كطبيب أمام الله -عز وجل-، والتركيز والإخلاص في العمل.

3- القدرة على تحمل أعباء العمل؛ حيث إن طبيب الأسنان يعمل بتركيز ذهني بالمخ، وعملي باليد، وتركيز بالعينين، مع انحناء الظهر لوقت طويل.

4- القدرة على التدخل الجراحي حتى لو كان طبيب أسنان عام فلابد من خلع الأسنان، وقد يحدث نزيف أو كسر الجذور داخل العظم أو فتح الخراج.

5- القدرة على التصرف السريع في الحالات الطارئة مثل النزيف أو الإغماء.

هذه بعض الصفات الأساسية التي يجب أن يتصف بها طبيب الأسنان.

فإذا كان -الأخ الكريم- المصاب بانفصام الشخصية لا يعاني من تغير شديد في الشخصية كتغير المزاج، وعدم القدرة على التحكم بالنفس، وفقد الأعصاب؛ فلا مانع من أن يمارس مهنة طب الأسنان، وإن كانت حالته خفيفة فتخصص التقويم هو الأنسب؛ لأنه لا يتدخل بالجراحة، فيمكنه أن يحول المريض لطبيب جراح إن أراد، والتخصص يرجع لرغبة الشخص، وإن كان يعاني من تغير شديد فلا أنصحه بممارسة هذه المهنة.

وقد يحدد قدرة -الأخ الكريم- على ممارسة هذه المهنة بدقة أكبر هو الطبيب المعالج له، فأنصحكم بمراجعته والأخذ بنصحه.

نسأل الله لك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً