الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصح المراهق لوالده الذي يفعل المنكرات

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا شيخ أنا ولد أدرس وعمري 15 ووالله إني أريد التوبة لأني أصلي بدون وضوء، ولكن الله أعلم بحالتنا، فوالله إن أبي يقوم بشرب الخمر ومعاكسة البنات، ويذهب لفعل المنكر والفحشاء معهن؛ لأن لديه أصدقاء من فرنسا، ويأتي والدي في نصف الليل يومياً ويصارخ، وأمي فقط تمسك التلفون والأخبار فقط، أنا - يا شيخ - أريد حلاً لمشكلة والدي، وكيف أتوب وأصلي، والله يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك يا شيخ؟ وكم مرة أفتح سيارة والدي وأجد خمراً، وفي الكبت، وأيضاً يقوم بفعل المنكر مع الفتيات هو وأصحابه، أريد الحل.

الحل يا شيخ!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يغفر لوالدك وأن يتوب عليه وأن يعينه على التخلص من تلك العادات السيئة، كما نسأله تعالى أن يغفر لأمك أيضاً وأن يبصرها للحق، وأن يصرفها عن الطريق غير المستقيم، ونسأله تبارك وتعالى لك أن تكون - يا ولدي – من الصالحين ومن عباده المتقين، ومن أوليائه المقربين، وأن تكون فاتحاً من المسلمين الفاتحين الكبار الذين ينشرون الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.

ولدي الحبيب ناصر كم أنا سعيد باتصالك بنا في هذا الموقع؛ لأن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فيك خيراً كثيراً، وأنك شاب عظيم رغم أن عندك بعض التصرفات التي لا ترضي الله تعالى، إلا أن الله تبارك وتعالى حباك نعماً عظيمة - يا ولدي – ووفقك إلى خير كثير، حيث إنك نشأت في هذه البيئة ورغم ذلك حريص على معرفة الحق وتحري الصواب، أسأل الله – يا ولدي – أن يحفظك وأن يوفقك وأن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق وأن يهديك صراطه المستقيم.

ولدي ناصر، بخصوص ما ورد برسالتك فإنك كما تعلم أن قلوب العباد – يا ولدي – بين أصبعين من أصابع الرحمن، فالهادي هو الله، وأنا وأنت لسنا مطالبين حقيقة بهداية آبائنا وأمهاتنا، وإنما مطالبين بالدعوة والدعاء، والهادي هو الله وحده يا ولدي، حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى له: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))[القصص:56]، ما هو دوري ودورك – ولدي ناصر - ؟ دورنا النصيحة والتذكير - قدر استطاعتنا - والدعاء والدعوة – بأقصى ما نستطيع – ولأن مقام الأب والأم عظيم فإنّا أُمِرنا أن نتكلم معهما بكلام رفيق، كلام كله حنان كله أدب كله تواضع، حتى وإن كان الأب عاصياً والأم عاصية؛ لأن الله أمرنا بذلك حتى وإن كانا على غير الإسلام، حيث قال سبحانه: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15].

فوالدك يا ولدي له الله تعالى، أنت لا تستطيع أن تصنع شيئاً؛ لأنك لازلت صغيراً، ولأن والدك يحتاج إلى منحة من الله تبارك وتعالى عظيمة، يحتاج إلى أن يغير البيئة، البيئة التي يمشي معها لابد من تغييرها، هذه من أهم شروط تصحيح المسار يا ولدي؛ لأن البيئة الفاسدة تجر صاحبها دائماً إلى الفساد، حتى وإن كان صالحاً أو مستقيماً، فوالدك في حاجة لصحبة صالحة، في حاجة إلى أحد أقوى منه يؤثر عليه، أما أنت – ولدي – لا زلت صغيراً، ومهما تكلمت فلن يُسمع لقولك ولن يُؤبه لك؛ ولذلك أنا أسألك: ما علاقة هذا يا ولدي بكونك تصلي بغير وضوء؟ هل لأن والدك عاصٍ تريد أن تكون عاصياً مثله؟ إن هذه حجة غير مقبولة – يا ولدي – ناصر، إذا كان أبوك – والعياذ بالله - من أهل النار هل تريد أن تكون مثله في النار؟ إذا كانت أمك تقضي أوقاتها فيما لا يُرضي الله هل تريد أن تكون معها في قعر جنهم - والعياذ بالله تعالى؟ – كلٌ – يا ولدي – يوم القيامة يُسأل عن نفسه كما قال تعالى: (( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ))[النحل:111]، ويوم القيامة كل واحد سيقول (نفسي نفسي) – يا ولدي – فأنا لا أريدك أن تعتبر هذه التصرفات الشاذة عذراً لك في أن تصلي بغير وضوء؛ لأن هذا أمر عظيم، لأنك تستهزئ بالله – والعياذ بالله -.

ثم أنت ما الذي يجبرك على الصلاة؟ أنت تصلي برغبتك فلماذا إذن تصلي بغير وضوء - يا ولدي- ؟ إنك لست مضطراً لهذا – يا ولدي – لأنه قطعاً لا يأمرك والدك بالصلاة وأمك كذلك؛ ولذلك أقول - بارك الله فيك يا ولدي – أنت لستَ مضطراً لأن تكذب على الله تعالى أو أن تنافق أو تجامل أحداً من الخلق، فأتمنى أن تكون رجلاً بمعنى الكلمة - وأنا أعلم أنك رجل – تفعل ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولا تقف – يا ولدي – بين يدي الله تعالى وأنت عاصٍ له؛ لأن الذي يصلي على غير وضوء عاصٍ لله ورسوله، مخالف لأمر الله تعالى ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

يا ولدي: إن أباك يقع في المعاصي وأنت مثله الآن تقع في المعاصي - يا ولدي –، هل يمكن للعاصي أن ينقذ العاصي؟ قطعاً ستقول لا، فأنت إذا أردت أن تنقذ والدك لابد أن تكون عبداً صالحاً، فلذلك أنا أتمنى أن تجتهد في المحافظة على الصلاة والطهارة والبعد عن المعاصي حتى تستطيع أن تنقذ والدك، لأنك في هذه الحالة لو دعوت الله لاستجاب لك، فلن يستجيب الله لك وأنت مستهزئ بدينه – والعياذ بالله – ولذلك أتمنى ألا تعتبر ما يحدث من أبيك وأمك عذراً لك لكي تكون عاصياً، أنت ولد صالح وإنسان بار وشاب عاقل، أتمنى أن تبدأ بطريقة صحيحة وبداية طيبة - إن شاء الله تعالى -، حافظ على الصلاة في أوقاتها، وتوضأ وضوءا صحيحا للصلاة، وابتعد عن كل المعاصي والآثام، ولا تلتفت - يا ولدي – لما يفعله والدك أو والدتك.

نعم - أنا معك – هذا أمر محزن وأمر مؤلم، ولكن ماذا ستفعل؟ أنت صغير - يا ولدي – لا تستطيع أن تصنع شيئاً كثيراً، ولكنك بالدعاء وبحسن العلاقة مع الله تستطيع أن تجعل أباك يكره الخمور ويكره المعاصي كلها، وتستطيع أن تجعل أمك لا تقضي أوقاتها في الهواتف والكلام مع الناس، وإنما تقضي أوقاتها في طاعة الله تعالى.

- يا ولدي – أترك هذه المعاصي وابدأ صفحة جديدة مع الله تبارك وتعالى، واعلم أن المريض لا ينقذ المريض – يا ناصر – وإنما الذي ينقذ المريض السليم، أنت الآن مريض كأبيك وأمك تماماً عندما تصلي بغير وضوء، أما إن صليت بالوضوء وحافظت على الصلاة في الجماعة، واجتهدت في ذلك، واجتهدت في دروسك، وكنت متميزاً في دراستك تستطيع - بإذن الله تعالى – أن تعين أباك وأمك على طاعة الله تعالى، لا تشغل بالك بموضوع والدك فإن المسألة مسألة وقت، ونحن في انتظارك حتى تشبَّ وتُصبح رجلاً لتستطيع أن تقف مع أبيك وقفة طيبة لتحول بينه وبين هذه المعاصي وأمك كذلك، أما أنت الآن لا تستطيع أن تصنع شيئاً ولم يكلفك الله تبارك وتعالى بأكثر من الكلمة الطيبة والتذكير كلما أتيحت الفرصة بهدوء: يا أمي هذا لا يجوز وهذا لا ينبغي، وأنت أمٌ صالحة، وأنا أفتخر بك، فلماذا تكلمين الناس بهذه الصفة؟ يا أبت إن هذا لا يرضي الله تبارك وتعالى، وأنت تعلم أن الأولاد قد يعيرونني بأن أبي يفعل ويفعل ويفعل.

هذا الكلام هو الذي تستطيع أن تفعله - يا ولدي – أما سوى ذلك فأنت لا تستطيع أن تصنع شيئاً، ولذلك أوصيك – ولدي – بألا تلتفت لأبيك بما يفعل، سواء كان في البيت أو في السيارة أو كان يفعل المنكرات في البيت أو في السيارة، لا تشغل بالك بذلك، وإنما ادع لأبيك وحافظ على الصلاة بالضوابط الشرعية، وابتعد عن المعاصي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأتمنى أن تكون متميزاً في دراستك – ولدي ناصر – حتى تكون أهلاً لئن يُسمع كلامك؛ لأن الضعيف والفاشل لن يقبل الناس قوله، فكن متميزاً وكن متفوقاً على زملائك، وإن شاء الله تعالى أنا واثق بأن هداية أبيك وأمك ستكون على يديك - يا ولدي -.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأن يجعلك من الشباب الصالحين والأولياء المقربين، وأن يغفر لأبيك وأمك وأن يتوب عليهما، إنه جواد كريم، ونحن في انتظارك في أي وقت - يا ولدي – ومع رعاية الله وأمنه.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً