الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية المداومة وكيفيتها في حفظ القرآن الكريم

السؤال

السلام عليكم.

أريد أن أحفظ القرآن الكريم خلال 3 سنوات، ويوجد لدي جدول لحفظ القرآن خلال 1000 يوم مع مراجعته، ولكن المشكلة التكاسل، فأنا أتكاسل في الحفظ اليومي، وأحياناً أتركه إلى اليوم الذي بعده فما الحل؟ أنا الآن في اليوم السابع من الجدول، أي أنني بدأت هذا الأسبوع في الحفظ.
وأيضاً هل أحفظ القرآن مع تفسير الكلمات؟ وما هو الوقت المفضّل للحفظ؟ وما هي طريقة الحفظ؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بهاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، فنحن – يا ولدي - دائماً بانتظارك، فاتصل بنا ولا تتردد، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يعينك على حفظ كتابه، وأن يجعلك من خاصة عباده وصفوة أوليائه، ومن أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين.

وأما بخصوص ما ورد برسالتك - ولدي بهاء – من حيث موضوع حفظ القرآن الكريم، فإنك تعلم أن حفظ القرآن من أجل العبادات ومن أعظم القربات، كيف لا وهو كلام الله تبارك وتعالى الذي جعل الله على تلاوته بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فالنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن أن أفضلنا وأعظمنا أجراً وأعلانا منزلة مَنْ تعلم، وها أنت الآن تبدأ عملية التعلم، ونسأل الله أن يبارك فيك حتى تجمع بين الحسنيين: أن تكون متعلماً ثم تُصبح مُعلماً، ونسأله تبارك وتعالى أن يعينك على أن تفهم القرآن وأن تفهم عن الله مراده، وأن تحول هذا الفهم إلى واقع عملي حتى تُصبح قرآناً يمشي على الأرض، كما كان أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذه - يا ولدي - هي الغاية العظمى من القرآن الكريم؛ ولذلك عندما سُئلت أمنا عائشة - رضي الله عنها – عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن، اقرؤوا إن شئتم: (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ))[المؤمنون:1]) فبدأت بأوائل سورة المؤمنون.

إذن يا ولدي نسأل الله أن تُعان على الحفظ ثم تحول هذا الحفظ إلى واقع عملي حتى تُعيد الإنسانية الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في العمل بالقرآن والسنة.

إن حفظ القرآن – ولدي الكريم بهاء – نعمة من أجل النعم وعبادة من أعظم العبادات، وعمَّا قريب سُيصبح صدرك وعاءً لكلام الله تبارك وتعالى فهنيئاً لك، وكما ورد في بعض الآثار أن من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، أي قد حوى علم النبوة كلها، إلا أنه لا يوحى إليه، فاجتهد ولدي – بارك الله فيك – ولا تبخل بوقتك على القرآن، فإن الله سيبارك لك في علمك ويبارك لك في وقتك ويبارك لك في صحتك ويبارك لك في شبابك، ويجعلك مباركاً حيثما كنت، بل إنه يبارك في البيت الذي أنت فيه ببركة القرآن الكريم، فاجتهد – يا ولدي – وأقبل على القرآن بهمة عالية، واعلم أن هذا العمل هو عمل كبار الصالحين، عظماء الأمة الكبار الذين سجَّلوا أسماءهم في جبين التاريخ بأحرف من نور، بدأوا أول ما بدأوا بالقرآن الكريم، فرفع الله ذكرهم وأعلى شأنهم ونشر علومهم في العالمين.

فأنت بالقرآن ستعلو وترتفع لأن الله تبارك وتعالى قال لنبيه محمداً - عليه الصلاة والسلام -: (( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ))[الشرح:4] أي لا أُذكر في موضعٍ - يا محمد - إلا وتُذكر معي فيه، وقال العلماء: وإن الله تعهَّد برفع ذكر كل من يحفظ القرآن ويعمل به، فاحرص على أن تكون من هؤلاء؛ ولذلك أقول لك: اجتهد وضع خطة التزم بها، ولتكن هذه الخطة أو الطريقة التي وردت في رسالتك (حفظ القرآن في ثلاث سنوات)، فهذا عمل عظيم رائع حتى لا تشق على نفسك.

أما موضوع التكاسل فإنما هو قطعاً من نفسك ومن الشيطان، فإن نفسك لم تتعود هذا النوع من الحفظ؛ لأن كثيراً من العلوم الآن لا تقوم على الحفظ بهذه
الدقة التي تلزم لحفظ القرآن الكريم؛ ولذلك تحتاج إلى نوع من الترويض، وأنا أقول لك: أبشر فعمَّا قريب سيصبح الحفظ لك سجية، ويصبح لك طبيعة، ويصبح سهلاً ميسوراً أن تحفظ أي شيء؛ ولذلك سلْ من حفظ القرآن في صغره فستجد أنه يستطيع أن يحفظ أي شيء ببركة القرآن الكريم.
المسألة -ولدي بهاء- مسألة وقت؛ لأن نفسك ستتعود وعقلك سوف يتعود، وبإذن الله تعالى ستجد إعانة من الله على حفظ كتابه، كما قال سبحانه: (( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ))[القمر:17].

أيضاً اعلم أن من أعدائك الشيطان؛ لأن الشيطان يعلم أن القرآن هذا إنما هو صمام أمان لهذه الأمة، بالقرآن تعز الأمة، وبالقرآن تسود الأمة، وبالقرآن يزيد الإيمان، وبالقرآن نتعرف على الله، وبالقرآن نعرف الحلال من الحرام، وبالقرآن نتبوأ الدرجة العالية من الجنة؛ ولذلك يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: (اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .

فاعلم أن الشيطان لن يدعك؛ ولذلك هذا التكاسل الذي ذكرت إما أنه من نفسك وهذا سيزول - بإذن الله – قريباً، وإما أنه من الشيطان الذي سوف يأتيك ويقول لك: يا بهاء كيف تترك الدراسة وتقبل على حفظ القرآن، يا بهاء إن أقرانك وزملاءك يدخلون على الإنترنت يرون أشياء عجيبة وعلوما غريبة، فاترك القرآن وافعل فعلهم، يا بهاء إن زملاءك يلعبون فالعب معهم، يا بهاء، يا بهاء.. ويحرص على أن يضغط عليك – يا ولدي – بقوة حتى يصرفك عن حفظ القرآن الكريم، ولذلك إذا ما جاءتك تلك الأفكار فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واتفل عن يسارك ثلاثاً وافعل عكس ما يريده منك الشيطان، يقول: لا تحفظ، قل: سأحفظ، وأمسك مصحفك فوراً وابدأ في القراءة حتى ينصرف عنك الشيطان، واعلم – يا ولدي – أنه إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين، والقرآن عندما تقرؤه تتنزل الملائكة لسماعه؛ ولذلك ما أن تبدأ القرآن إلا وتتنزل ملائكة الرحمن عليك في المكان الذي أنت فيه، فما أن يراهم الشيطان إلا يولي مدبراً ولا يلتفت إليك، كلما قرأت القرآن كلما ولَّى، فاجتهد – يا ولدي - في ذلك.

وحتى تُعان على الحفظ - يا ولدي – اجعل وقتاً محدداً لحفظ القرآن بصفة دائمة، واجعل هذا لك عادة، كما أنك متعود على الإفطار والغداء والعشاء، ومتعود على الذهاب إلى المدرسة في وقت معين، أيضاً اجعل وقتاً محدداً للقرآن ولا تفرط فيه؛ لأن أسباب الكسل أو الضعف الذي يصيب بعض الحفظة أنه مرة يحفظ بعد الفجر ومرة يحفظ بعد الظهر ومرة يحفظ بعد العصر، ويقول اليوم سأحفظ بعد المغرب وغداً بعد العشاء، هذا التنقل هو الذي يُضعف عزيمتك ويقلل من همتك، ولكن إذا جعلت وقتاً محدداً تجعله فقط للقرآن، وأفضل الأوقات - بارك الله فيك – إنما هو بعد صلاة الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، فهذا الوقت المبكر هو أفضل الأوقات، أولاً لتنزل الرحمات.

ثانياً: لأننا مازلنا قريبين من صلاة الفجر، وكما تعلم أن الله تعالى إذا كان جوف الليل الآخر – أي ثلث الليل الآخر – يتنزل إلى سماء الدنيا فتتنزل الرحمات والبركات بتنزل الله جل جلاله، وتظل هذه الرحمة والبركة بعد الفجر قليلاً، فأنت عندما تبدأ بعد صلاة الفجر مباشرةً في حفظ القرآن الكريم ستجد قدرة عجيبة على الحفظ وسرعة عجيبة في الحفظ والتذكر - بإذن الله تبارك وتعالى – .

فاجعل هذا الوقت للقرآن ولا تشغل نفسك بأي شيء آخر، لمدة ربع ساعة، نصف ساعة، ثلثي ساعة أو ساعة – حسب ما يتيسر لك – ولا تكثر على نفسك، واجعل الوقت هذا ما بين القرآن وما بين المواد الدراسية الصعبة، ولكن قدم القرآن بعد الصلاة مباشرة، والتزم بهذا التوقيت، حتى لو فاتك أنك تركت صلاة الفجر أول ما تقوم من النوم ابدأ بورد القرآن إذا كان الوقت متسعا، ولا تسمح لنفسك أن تؤجل مقدار حفظ اليوم إلى الغد؛ لأنه سوف تتراكم عليك الأيام ولن تستطيع أن تصنع شيئاً، وإذا حدثت وتراكمت عليك الأيام لا تتوقف؛ لأنك بعد فترة قد تضعف - كما ذكرت – بأنك أحياناً تحول ورد اليوم إلى اليوم الذي بعده فيحدث عندك نوع من التكاسل، فتقول: أسبوع لم أقرأ شيئاً، فالشيطان يقول لك: يا أخِي توقف يكفيك ما حفظت.. لا حتى وإن تكاسلت أسبوعا أو شُغلت يوماً أو يومين أو ثلاثة، أول ما تجد الفرصة سانحة ابدأ مرة أخرى بنفس الترتيب – يا ولدي – واعلم أن الله سيعينك وسوف يسددك ويوفقك، أهم شيء ألا تترك فرصة تنقطع فيها أبداً عن حفظ القرآن وأنت قادر على حفظه.

أما طريقة الحفظ فأعتقد أنها موجودة في البرنامج الذي معك، البرنامج - بارك الله فيك – أنك تبدأ أولاً بالصفحة تقسمها على جزئين أو ثلاثة، فممكن تحفظ آية آية، حفظت الآية الأولى كررها عدة مرات ثم أغلق المصحف وسمِّعها على نفسك، فإن وجدت نفسك قد سمَّعتها عن غيب، انتقل للآية التي بعدها، وكررها بنفس الطريقة، فإن حفظتها ضمَّها للآية الأولى.

إذن ابدأ بالآية الأولى وكررها وكررها كررها حتى تشعر أنك حفظتها، ثم تُغلق المصحف وتحاول أن تسمعها عن غيب، فإن سمعتها بلا أخطاء انتقل للآية التي بعدها، ونفس الشيء كررها عدة مرات حتى تحفظها، ثم ضمها للآية الأولى وراجع الآيتين معاً، وإذا انتهيت من الآيتين - بارك الله فيك – انتقل للآية الثالثة، هذا إذا كانت الآيات طويلة، أما إذا كانت الآيات قصيرة فمن الممكن أن تحفظ خمس آيات أو ست آيات مع بعض، مثال: (( وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ))[الطور:1-6]، هذه ممكن تأتي في مرة واحدة، لأنها آيات صغيرة وخاصة ما يعرف بالآيات المكية.

وهكذا – ولدي بهاء – تحفظ آية آية ثم تجمع الآية الثانية مع الأولى والثالثة مع الأولى والثانية والرابعة مع الأولى والثانية والثالثة، وهكذا بالمقدار الذي حددته لنفسك، تحفظ مثلاً نصف صفحة يومياً تقوم بهذا الترتيب، فإذا ما جئت - بارك الله فيك – في اليوم الثاني حاول أن تحفظ الجديد ثم تضم معه القديم بعد أن تنتهي منه، وتراجع من أول السورة مرة أخرى إلى ما تحفظ، وهكذا هلمَّ جرا حتى تُعان على حفظ القرآن.

أهم شيء – يا ولدي – الديمومة، ولكن أنصحك – ولدي بهاء - أن تقرأ القرآن على يد قارئ أو معلِّم؛ لأن القرآن لا يصلح – يا ولدي – أن يُحفظ من المصحف لأن هناك – كما تعلم – الرسم العثماني يختلف عن الرسم الإملائي، فهناك أشياء لابد أن تضبط على يد معلِّم؛ ولذلك لا يؤخذ القرآن من المصحف وحدك حتى وإن كنت بارعاً في القراءة؛ لأنك لا تعرف أحكام التجويد ولا تعرف مخارج الحروف ولا صفات الحروف، فأنصحك – يا ولدي – أن تلتزم بمعلِّم تحفظ على يديه القرآن، على أن يكون المعلِّم متقناً وحاذقاً وماهراً، حتى يعطيك أحكام التجويد آية بآية.

سؤال: هل يلزمك أن تحفظ مع حفظك للقرآن أن تحفظ معاني الكلمات؟ الجواب: لا يلزم ذلك، ولكن إذا أشكلت عليك آية من الممكن أن ترجع لمعناها في التفسير، وممكن تأخذ فكرة عامة أيضاً – يا ولدي – عن تفسير الآيات التي تقرؤها لأن فهم المعنى يسهل الحفظ - بإذن الله تعالى -.

أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يتم الله عليك نعمته بحفظ القرآن الكريم، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، ورجاءً أن تبشرنا بين الحين والآخر بمقدار ما حفظت من القرآن حتى ندعو لك دائماً.

والله ولي التوفيق.

ولمزيد من الفائدة حول طرق حفظ القرآن الكريم: ( 141554429 - 1601 ).

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً