الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

للخالة منزلة خاصة في البر والصلة

السؤال

أعاني من مضايقة شديدة من خالتي، وابنة خالتي التي كانت سابقا صديقتي وأختي بسبب غيرتهم وحسدهم بعد زواج أخي منها، فأصبحت لا أستطيع احتمال نفاقهم وغدرهم في كل مرة، وتصرفاتهم الهزيلة، وأصبحت أشتكي لأمي كثيرا مع أنها متضررة أكثر مني، وأصبحت كل ما افتعلوا تصرفا يضايقني، تكلمت مع والدتي وأختي الصغرى وسببتهم وشتمتهم، وأصبحت علاقتي معهم جدا رسمية، لكني في كل مرة أقابلهم فيها لا أحتمل مضايقتهم لنا.
السؤال: كيف أتصرف معهم؟ وهل يجوز لي التشكي كثيرا لأمي أيضا، شتمي لهم وسبهم من الظلم والقهر الذي يقع علي منهم لا أحتمل الكتمان. فما الحل؟
عند مقابلتهم في كل مرة يفتعلون تصرفات، أشعر بتفاهتي لأنني أضيع وقتي معهم، وصراحة لم أعد أحتملهم ونفسيتي تعبت منهم، وكفاية أنهم فرقوا بيني وبين أخي.
فهل يجوز لي أن أزورهم فقط لصلة الرحم لا أكثر من مقابلتهم حفاظا على نفسيتي وذاتي وبعدا عن مشاكلهم التافهة.
في الأساس كنا نتزاور أسبوعيا لكن أريد أن أجعلها شهريا، فلم أعد أحتملهم أبدا، ومهما حاولت النسيان والتصافي مضايقتهم المستمرة تجعلني أخرج عن وضعي الطبيعي، فأنا لا أحتمل المنافقين والغدر، وما أتاني منهم يكفي بأن يجعل العاقل مجنونا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أمر الشرع بصلة الرحم ونهى عن قطعها حتى لمن يقطعها، وقد سبق أن بينا أن وجوب صلة الرحم لا يسقط بإساءة القريب أو إيذائه، و انظري الفتوى رقم : 99359.
ولا ريب أن الخالة من الأرحام الذين تجب صلتهم، وأما ابنة الخالة ففي وجوب صلتها خلاف بيناه في الفتوى رقم : 11449 .

وعليه فلا يجوز لك قطع خالتك بل عليك صلتها بما لا يلحق ضررا بك ، والأولى أن تصلي ابنتها ، ولا مانع من تقليل الزيارة ما دام ذلك لا يعد في العرف قطعا، و انظري الفتوى رقم: 34365.

وأما عن كلامك مع أمك بما فيه ذكر مساوئ هؤلاء الأقارب ، فإن كان بغرض المشاورة وطلب النصح فلا مانع منه بشرط أن تقتصري على قدر الحاجة ولا تتمادي في الغيبة ، وانظري الفتوى رقم: 6082.
وأما سبهم وشتمهم فإن كان بسبب ظلمهم لك وكان بقدر ما فيهم من السوء من غير اعتداء فهو جائز ، وإلا فهو محرم لا يجوز. وانظري الفتوى رقم : 17572.
والذي ننصحك به أن تعرضي عن غيبة هؤلاء الأقارب وسبهم وشتمهم وتحسني الظن بهم وتحملي أقوالهم وأفعالهم على أحسن الوجوه، واعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان ، قال تعالى :وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. فصلت(34)
والمجاملة بالكلام الطّيب وغيره محمودة في مثل ذلك ولو كانت تكلفاً.

قال الغزالي : بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها، وتعوّد القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. إحياء علوم الدين.

واعلمي أنّ العفو عن المسيء يزيد صاحبه عزاً وكرامة ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "..وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا"
كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته ، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22
كما ننبهك إلى أن الشرع قد جعل للخالة منزلة خاصة في البر والصلة ، فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخالة بمنزلة الأم " (متفق عليه)
ولمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ هَلْ لَك مِنْ أُمٍّ؟ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ وَ الْحَاكِمِ: هَلْ لَك وَالِدَانِ ؟ قَالَ لا . قَالَ فَهَلْ لَك مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَبِرَّهَا .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني