الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما اشترطه الحسن على معاوية في شأن الخلافة، واجتهاده في تولية يزيد

السؤال

لقد سمعنا روايات كثيرة مختلفة عن الشروط التي وضعها الحسن على معاوية ليتمم الصلح, فما الروايات الصحيحة التي يؤخذ بها في هذه الشروط؟ وهل صح أن معاوية لم يفِ بها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد رجح الدكتور الصلابي ان الشرط الذي اشترطه الحسن على معاوية - رضي الله عنهما - في شأن الخلافة هو أن يكون الأمر شورى بعد معاوية, وقد اجتهد معاوية - رضي الله عنه - فرأى ان يستخلف ولده لما في ذلك من قوة يزيد على الحكم, وقد أخذ العهد على يزيد أن ينتهج سيرة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - في الحكم.

وقد خطأ العلماء اجتهاد معاوية, ولكنهم جزموا أنه لا يأثم بذلك؛ لأنه مجتهد مأجور على خطئه, فقد ذكر ابن أبي زيد القيرواني وشيخ الإسلام وغيرهما أنه يجب الأدب مع الصحابة, وإحسان الظن بهم، وحمل أفعالهم على أحسن المخارج.

وبناء عليه: فلا يجوز اتهام معاوية, ولا تنقصه, فقد قال الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى -: لا يجوز أن يُنسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به؛ إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب فضلًا عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد، بل يقولون: إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك، وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم، والحكاية المعروفة عن المسور بن مخرمة وكان من خيار صغار الصحابة لما أتى معاوية وخلا به وطلب منه أن يخبره بجميع ما ينقمه عليه، فذكر له المسور جميع ما ينقمه عليه، فقال: ومع هذا يا مسور ألك سيئات؟ قال: نعم، قال: أترجو أن يغفرها الله؟ قال: نعم، قال: فما جعلك أرجى لرحمة الله مني، وإني مع ذلك واللهِ ما خيرت بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على غيره، وواللهِ لما أليه من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك, وأنا على دين يقبل من أهله الحسنات, ويتجاوز لهم عن السيئات، فما جعلك أرجى لرحمة الله مني؟ قال المسور بن مخرمة: فخصمني. انتهى.

وننصح السائل الكريم بقراءة الكتب والرسائل التي اهتمت بتجلية هذا الجانب، ومن ذلك رسالة: (تبرئة معاوية بن أبي سفيان مما نسب إليه من الزور والبهتان) لعبد الله زقيل, ورسالة (رد البهتان عن معاوية بن أبي سفيان) لأبي عبد الله الذهبي, ورسالة (سل السنان في الذب عن معاوية بن أبي سفيان) لسعد بن ضيدان السبيعي, وكتاب (معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد) لمنير الغضبان, وما كتبه الدكتور علي محمد الصلابي عن العهد الأموي وعن خلافة الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وما جمعه الشيخ محمد مال الله من الشبهات حول الصحابة والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، في الجزء الخاص بمعاوية.

ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 188403.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني