الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

"ويح عمار تقتله..." لا مستند فيه للطعن في الصحابة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.فضيلة الشيخ.في صحيح البخاري حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). أليس هذا الحديث دليلاً على ضلالة وكفر الفئة التي قتلت عمار وهم جيش معاوية بن أبي سفيان؟ لأنهم كما وصفهم رسول الله يدعونه إلى النار وهي صفة الكفار.والسلام عليكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد أجاب علماء السنة على هذه الشبهة، فقالوا: إن حديث: "ويح عمَّار.." لا يتنافى مع ما تقرر من أن الصحابة هم خيار المؤمنين وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح: "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" وكل من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، فله من الصحبة بقدر ذلك.
وتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم لقتلة عمار بالبغاة لا يرفع عنهم اسم الإيمان، كما قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات:9] .
وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
فجعلهم مع وجود الاقتتال والبغي مؤمنين إخوة، فليس كل بغي وعدوان يخرج عموم الناس من الإيمان، فكيف يخرج خير القرون؟!
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فكل من كان باغياً أو معتدياً لا يعدو أن يكون واحداً من اثنين: متأول أو غير متأول.
فالمتأول المجتهد كامل العلم والدين غايته أن يكون مخطئاً، وقد قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286].
فثبت في الصحيح أن الله استجاب لهذا الدعاء، يقول الحافظ ابن حجر: فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم. الفتح 1/543.
والقسم الثاني: باغ غير متأول فهو مرتكب ذنب، والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة بالحسنات الماحية، والمصائب المكفِّرة، وغير ذلك، ولا شك أن للصحابة من الحسنات الماحية النصيب الأوفر، حتى قال صلى الله عليه وسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة: "وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدرٍ، فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فإني قد غفرت لكم".
فهذه السيئة العظيمة غفرها الله له بشهود بدر، فالعبد إذا اجتمع له سيئات وحسنات، فإنه وإن استحق العقاب على سيئاته، فإن الله يثيبه على حسناته، ولا يحبط حسنات المؤمن لأجل ما صدر منه، وإنما يقول بحبوط الحسنات كلها بكبيرة الخوارج، ومن على شاكلتهم من أهل الأهواء والبدع الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار، وأنهم لا يخرجون منها بشافعة ولا غيرها، وأن صاحب الكبيرة لا يبقى معه من الإيمان شيء. وهذه الأقوال فاسدة مخالفة للكتاب والسنة المتواترة وإجماع الصحابة. انتهى بتصرف من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى الجزء 35.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني