الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قبض على عمي بتهمة حيازة المخدر، فهل تجوز الشهادة لإنقاذه؟

السؤال

عمي قبض عليه بتهمة حيازة مخدر الحشيش، وتم أخذه إلى مركز الشرطة، وخرج بكفالة، ولكن القاضي يحتاج في الجلسة القادمة إلى شهود ليقولوا إنهم يشهدون بأن الضابط افترى عليه، وأنه لم يكن معه حشيش، وأنا لم أكن موجودًا في الواقعة، ولكن عمي يريدني أن أشهد بذلك، فما حكم الشهادة في هذا الموقف؟ ولو ذهبت فهل تعد من شهادة الزور رغم أنه لا يقع ضرر على أحد بهذه الشهادة؟ وما هي إلا لإنقاذ عمي من الوقوع في قضية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل هو تحريم شهادة الزور، إلا لضرر معتبر، لا يمكن تفاديه إلا بها.

ففي الصحيحين، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئًا فجلس، فقال: وشهادة الزور, ألا وقول الزور, فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

وقال صلى الله عليه وسلم: الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغموس.

وبناء عليه، فإنه ينظر في حال العم، فإن كنت متأكدًا من حصول الضرر له، وكنت متأكدًا من براءته بناء على سماع ذلك من ثقات معتبرين، فيجوز الكذب لتفادي ذلك الضرر، كما قدمنا بالفتوى رقم: 77569.

وأما إن كنت لا تعلم حقيقة حاله، ولا كونه بريئًا، أو علمت أنه ضُبط وهو حامل معه شيئًا من المخدر، فلا تجوز الشهادة له؛ لأن الشهادة لا تجوز إلا بما علمته، وتيقنت من صحته، بناء على مشاهدة، أو ما يفيد العلم من سماع معتبر؛ لقول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزُّخرف:86} وقوله تعالى: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا {يوسف: 81}.

وروى الحاكم، والبيهقي، وغيرهما عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال للسائل: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دع.

فقد جاء في تفسير القرطبي عند قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزُّخرف:86} قال: تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها، فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلاً وشرعاً، فلا تسمع إلا ممن علم، ولا تقبل إلا منهم، وهذا هو الأصل في الشهادات؛ ولهذا قال أصحابنا: شهادة الأعمى جائزة، وشهادة المستمع جائزة، وشهادة الأخرس إذا فهمت جائزة... اهـ.

وقال ابن قدامة - رحمه الله -: الشهادة لا تجوز إلا بما علمه بدليل قول الله تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} وقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال؛ لأن العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر، ولأن مدرك الشهادة الرؤية، والسماع وهما بالبصر والسمع، وروي عن ابن عباس أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دع. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: من شروط أداء الشهادة أن يكون المشهود به معلومًا للشاهد عند أداء الشهادة، فلا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية، أو سماع؛ لقول الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني