الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حملت حملًا ثلاثيًّا وقرر الأطباء إجهاض أحد الأجنة، فما الحكم؟ وأيها يجهض؟

السؤال

زوجتي حامل بثلاثة أجنة، بواسطة أطفال الأنابيب، وهي الآن في الشهر الثالث من الحمل، وقد أصر الطبيب على إجهاض جنين واحد، وذلك بسبب عدم مقدرة جسد زوجتي على الحمل الثلاثي، علمًا بأن طولها 157سم، ووزنها 49 كغ، وخاصة أنه الحمل الأول لها؛ مما يؤدي لولادة مبكرة جدًّا، أو وفاة الأجنة داخليًّا،وبعد إجراء الفحوصات لتحديد الجنين الأضعف لإجهاضه، تبين لنا أن الأجنة الثلاثة بصحة جيدة، ومتماثلة، وتبين أيضًا أن أحد الأجنة ذكر، والآخر أنثى، والثالث لم يستطع الطبيب تحديد جنسه، وذكر الطبيب بأنه على الأغلب ذكر، وقد أعطى لنا الطبيب حرية اختيار الجنين المراد إجهاضه، وقد قمنا باختيار الأنثى، فهل علينا حرج في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف الفقهاء في حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه، وقد أوضحنا اتجاهاتهم في ذلك في الفتوى رقم: 65114، وكما ترى من أقوالهم فإن هنالك من أباحه في حال العذر.

فإذا قرر الأطباء أن هنالك ضررًا متوقعا على زوجتك، بإبقاء الجنين الثالث، فلا حرج في الترخص، والأخذ بقول من ذهب إلى الإباحة؛ فالمقرر عند الفقهاء جواز العمل بالرخصة من أجل دفع الحرج، وممن ذهب إلى ذلك السبكي الشافعي، فقال: يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات، عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال: الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. اهـ.

ويبقى النظر فيما يتم إجهاضه من الأجنة الثلاث، لم نجد كلامًا لأهل العلم في هذه المسألة، ومن المعلوم أن لكل واحد من الأجنة الثلاث الحق في الحياة، وقد جاء الشرع فيما تساوت فيه الحقوق بإجراء القرعة، والجمهور على مشروعية القرعة فيما تشتبه فيه الأمور، وفي صحيح البخاري: باب القرعة في المشكلات. وقد أورد البخاري تحت الباب المذكور عدة أحاديث، تدل على مشروعية القرعة؛ ولذا قال الحافظ ابن حجر في الفتح: أي مشروعيتها، ووجه إدخالها في كتاب الشهادات، أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق، فكما تقطع الخصومة، والنزاع بالبينة، كذلك تقطع بالقرعة. اهـ.

ويشهد له فعل يونس عليه السلام: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ {الصافات:141}، قال ابن العربي في تفسيره: والحق عندي أن تجري [أي: القرعة] في كل مشكل، فذلك أبين لها، وأقوى لفصل الحكم فيها، وأجلى لرفع الإشكال عنها. انتهى.

ولهذا فقد يكون المصير إلى القرعة في هذه الحالة، هو الأولى، ولمزيد الفائدة نرجو مطالعة الفتوى رقم: 26198.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني