الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمني المريض الموت، ودعاء المضطر مقيد

السؤال

ما حكم انتحار مريض الفصام المصاحب للاكتئاب، وهذا الشخص مدرك أن المنتحر في النار، ويعقل كل شيء، لكنه لا يحتمل الضيق في الصدر، وتبعات مرض الفصام، حيث إنه كاره للحياة، ويتمنى الموت بشدة، ويدعو الله أن يرزقه الشهادة في سبيله وهو ساجد، ويقدم المال لأمه، ويقول: اللهم إن كنت تعلم أنني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فارزقني الشهادة في سبيلك. له 5 سنوات يدعو، لكن الله سبحانه لم يستجب حتى الآن.
ويقول أيضا إنه رأى في المنام قبل سنة، أن الله رزقه الشهادة، واستيقظ وهو مسرور كما يقول، ويقول أيضا إنه لا يعلم هل ما يدعو به حلال أم حرام؟ وبماذا تنصحونه؟ وهل الرؤيا التي رآها حق أم من الشيطان؟ وهل لا بد أن يستجيب الله للمضطر أم إن الدعاء يحصل به إحدى ثلاث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمرض النفسي ليس رافعا للتكليف عن صاحبه، إلا إذا بلغ المرض أن يسلب الإنسان اختياره، أو يختل به عقله، ويكون في حكم الجنون، وراجع في ذلك الفتويين: 290143، 67052.
والشخص المسؤول عنه ليس كذلك، ما دام يعقل كل شيء، ويدرك أن المنتحر في النار، كما ورد في السؤال.
وأما مسألة تمني الموت لمجرد التخلص من ألم المرض، فهو مما يُكره للمؤمن؛ فإن قضاء الله تعالى له خير كله. ومن لا يجد بدا من ذلك، فليقرن هذه الأمنية بسلامة الدين، والنجاة في الآخرة، وحصول الخير لنفسه، وليدع بالدعاء المستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي: فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض، أو فاقة، أو محنة من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررا في دينه، أو فتنة فيه، فلا كراهة فيه؛ لمفهوم هذا الحديث وغيره، وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم. اهـ.

وراجع في ذلك الفتويين: 31194، 31781.
وأما سؤال الشهادة في سبيل الله، والإلحاح على الله به، فهو خير عظيم، ومما يحمد لصاحبه أن يلازمه ويواظب عليه، طلبا لرضوان الله تعالى، والفوز بمنازل الشهداء. وراجع الفتوى رقم: 258160.
وأما دعاء المضطر، فهو كغيره من الدعوات المستجابة، كدعوة المظلوم، تتنوع صور إجابته بحسب ما تقتضيه مشيئة الله تعالى وحكمته، ولهذا قيد ذلك بالمشيئة في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام: 40، 41].

قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): قال ابن العربي: إلا أنه وإن كان مطلقا، فهو مقيد بالحديث الآخر أن: الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله. وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه} بقوله تعالى: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}. اهـ.
وقد سبق لنا بيان هذا، وتقيده أيضا بخلو الداعي من موانع الإجابة، ومنها: العجلة والتحسر، كما قال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.

فراجع في ذلك الفتويين: 137782، 140414.
وأما ما رؤي في المنام، فنرجو أن تكون رؤيا حق وخير، والله تبارك وتعالى أعلم بتأويلها، وعلى المرء أن يصبر لأمر الله تعالى ولا يضجر؛ فيستحسر، ويترك ما هو عليه من الخير، كالدعاء، أو غيره من أنواع القربات.

ثم إننا نذكر السائل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني