الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى الاعتداء في الدعاء، وأنواع الاستجابة

السؤال

ما حكم دعاء الله بنوع من المعجزة؟ فمثلا لدي إحساس قوي أن الله سيجيب دعائي، فأنام أو أصلي وأنا أنتظر عند استيقاظي إجابة دعاء بشيء. فأنا أطلب من الله أن يغير من صفاتي الخلقية، ويعطيني الثقة مثلا ومهارات الإلقاء واللغة والكتابة، وبعض العلم الدنيوي والديني. فمثلا أريد أن أكون حافظة للقرآن، وأجيد مهارات دنيوية، وأطلب من الله أن يزيد ذكائي وعلمي ويجعلني مخترعة، ومهاراتي بالتواصل.
ويحسن من شخصيتي بالشكل الكامل، فشخصيتي خجولة، ولا أجيد التحدث.
هل يجوز طلب ذلك من الله، أو فيه تعد؟
إذا آمنت أن ربي سيغيرني بين عشية وضحاها، ولكني أؤمن بأنه قادر على كل شيء، وعندي إيمان باستجابة دعائي والله قادر وإذا قال لشي له كن فيكون. وأعلم أنه لا يعجزه شيء.
فما الحل؟
وما هي الأدعية المأثورة، أو المستجابة لهذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأولى للمسلم دعاء الله عز وجل بالأدعية الجامعة لخيري الدنيا والآخرة -وأعلاها ما كان مأثورا في الوحي من الكتاب والسنة-، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.

وأما التفاصيل التي ذكرتها فهي في نفسها ليست من المستحيلات العادية التي جرت سنة الله بألا يفعلها عادة، فهي في الجملة ليست من الاعتداء المنهي عنه.

وإنما الاعتداء هو في طلب أن يتحقق شيء من ذلك بين عشية وضحاها، وأن ينام المرء ويستيقظ وقد حصل له ما دعا به !! وهو عادة لا يتحقق إلا في مُدد طويلة، فمثل هذا الدعاء يعد من الاعتداء؛ لما فيه من المخالفة لسنن الله.

قال ابن تيمية: وقوله تعالى: إنه لا يحب المعتدين. قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك.

وقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: يا بني؛ سل الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء.

وعلى هذا؛ فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.

وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب.

ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. اهـ. من مجموع الفتاوى.

وراجعي مزيد بيان لهذا النوع من الاعتداء في الدعاء، في الفتويين: 323944 - 389041.

ومن المهم أن تعلمي أن استجابة الدعاء لا تعني إعطاء الداعي عين ما سأل، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث، وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الحاكم.

قال ابن تيمية: فالدعوة التي ليس فيها اعتداء، يحصل بها المطلوب أو مثله. وهذا غاية الإجابة؛ فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعاً، أو مفسداً للداعي أو لغيره، والداعي جاهل، لا يعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والكريم الرحيم إذا سئل شيئاً بعينه، وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له، فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى. اهـ. من مجموع الفتاوى.
قال ملا قاري: الإجابة على أنواع، منها: تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب.

ومنها: وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره.

ومنها: دفع شر بدله، أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه.

ومنها: ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه. اهـ. من مرقاة المفاتيح.
ثم اعلمي أن المسلم لا ينبغي أن يسأل الله شيئا من أمر الدنيا إلا مقرونا بالخيرة منه سبحانه، فرب أمر ظاهره الخير يكون فيه هلاك العبد.

قال ابن القيم: فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بدا، فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة، وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه ولا قدرة له عليها، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها. ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك، وانفرط عليه أمره.

وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال: تسأله أن يجعله عونا على طاعته وبلاغا إلى مرضاته، ولا يجعله قاطعا لك عنه، ولا مبعدا عن مرضاته.

ولا تظن أن عطاءه كلّ ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه. اهـ. من مدارج السالكين.
ولمعرفة الأدعية المأثورة في الكتاب والسنة، يحسن بك الرجوع إلى كتاب: (الدُّعَاءُ من الكتابِ والسُّنة) للدكتور سعيد بن وهف القحطاني. وهو متاح على شبكة الإنترنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني