الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من حقق شرط التوبة، فهل يقطع له بقبولها؟

السؤال

قلت أنا: من تاب من جميع الذنوب بينه وبين ربّه، وحققت التوبة شروطها، غفر الله له يقينًا، ثم قلت لنفسي: قد يغفر له، وقد لا يغفر، فهل أمر التوبة بشكل عام، أم كل شخص يحقق شروط التوبة يقبلها الله يقينًا؟ وإذا قبلت توبته، فهل الذنوب تمحى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد وقع خلاف بين العلماء فيمن حقق التوبة بشروطها، هل يقطع له بالتوبة أم لا؟

جاء في تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) عند تفسير قول الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:17}: والعقيدة: أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلًا، لكن إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه، يقتضي وجوب تلك الأشياء سمعًا، فمن ذلك: تخليد الكفار في النار.

ومن ذلك: قبول إيمان الكافر، والتوبة لا يجب قبولها على الله تعالى عقلًا: فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب، قال أبو المعالي، وغيره: فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن، لا قطعًا على الله بقبول التوبة.

قال القاضي أبو محمد: وقد خولف أبو المعالي، وغيره في هذا المعنى، فإذا فرضنا رجلًا قد تاب توبة نصوحًا تامة الشروط، فقول أبي المعالي: يغلب على الظن قبول توبته، وقال غيره: يقطع على الله تعالى بقبول توبته، كما أخبر عن نفسه عز وجل.

قال القاضي أبو محمد: وكان أبي -رحمة الله عليه- يميل إلى هذا القول، ويرجحه، وبه أقول، والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشورى:25]، وقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ [طه:82]، والسُّوءَ في هذه الآية يعمّ الكفر والمعاصي. اهـ

ولعل الراجح -والله أعلم- أن التوبة من أي ذنب كان، مهما عظم، ولو كان كفرًا أكبر، مقبولة متى استجمع صاحبها شروطها، وأن الله يقبلها من عبده؛ فضلًا منه سبحانه وكرمًا، كما أخبر في كثير من النصوص الشرعية بقبول توبة التائب إذا تاب إليه.

قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما، كفر مخرج عن الملة.

ومع ذلك؛ فإن هناك مجالًا للتوبة منه؛ لقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحًا، استوفت شروط التوبة، فإن الله تعالى يقبل توبته. انتهى.

وانظر الفتويين: 118361، 117954.

ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة، ودلائل قبولها في الفتوى: 5450، والفتوى: 29785.

وراجع الفتوى: 207649، ففيها جواب الجزئية الأخيرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني