الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في كيفية قسمة خمس الغنيمة

السؤال

هل الخمس في الركاز والغنيمة خاص بأهل البيت حتى يومنا هذا؟ وما حقيقة ثبوت أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أوقفوا خمس ذوي القربى، وردوه إلى بيت مال المسلمين؟ وما الدليل على ذلك إن صح؟
أفتونا، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقسم الخمس من المغنم، ومن الفيء، من المسائل الخلافية بين الفقهاء، والذي يوافق عمل الخلفاء الراشدين هو مذهب المالكية، حيث يوكِلون ذلك إلى الإمام، يعمل فيه ما هو الأصلح، من رده لبيت المال، أو صرفه في شراء سلاح وغيره من مصالح المسلمين، أو قسمه في آل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو غيرهم.

جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في كيفية قسم خمس الغنيمة على أقوال:
القول الأول: قال الشافعية والحنابلة: يقسم خمس الغنيمة على خمسة أسهم ... منها: سهم لبني هاشم، وبني المطلب ابني عبد مناف: وهم المراد بقول الله تعالى: {ولذي القربى} ...
القول الثاني: قال الحنفية: يقسم خمس الغنيمة ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين (ويشملون الفقراء) وأبناء السبيل ...
القول الثالث: وقال المالكية: يضع الإمام الخمس إن شاء في بيت المال، أو يصرفه في مصالح المسلمين من شراء سلاح وغيره، وإن شاء قسمه فيدفعه لآل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لغيرهم، أو يجعل بعضه فيهم وبقيته في غيرهم. فالخمس موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا، وعليه يدل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم". فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم أهم من يدفع إليه. قال الزجاج محتجا لمالك: قال الله عز وجل: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} وجائز للرجل بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك. وذكر النسائي عن عطاء قال: خمس الله وخمس رسوله واحد، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل منه، ويعطي منه، ويضعه حيث شاء، ويصنع به ما شاء. اهـ.

وفي هذا بيان لدليل مذهبهم، وقد عقد البخاري في صحيحه باب: (الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمساكين، وإيثار النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة، وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله).

وأسند فيه قصة سؤال فاطمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- خادما من الفيء أو الغنيمة، وإبائه -صلى الله عليه وسلم- ذلك.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال إسماعيل القاضي: هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى؛ لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين، والذي يختص بالإمام هو الخمس، وقد منع النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته وأعز الناس عليه من أقربيه وصرفه إلى غيرهم. وقال نحوه الطبري: لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته، ولم يكن ليدع شيئا اختاره الله لها، وامتن به على ذوي القربى. وكذا قال الطحاوي وزاد: وأن أبا بكر وعمر أخذا بذلك، وقسما جميع الخمس، ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به، بل بحسب ما يرى الإمام، وكذلك فعل علي. اهـ.

وهذا الذي ذكره الطحاوي هو مذهب الحنفية في سهم ذوي القربى، وهو قريب من مذهب المالكية.

جاء في الموسوعة الفقهية: للعلماء في حكم أخذ ذوي القربى من الغنيمة والفيء مذاهب:
المذهب الأول: ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في أن ذوي القربى وهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب يعطون من الفيء والخمس ...
المذهب الثاني للحنفية: وهم يرون أن الفيء لا حق لهم فيه بوصفهم ذوي قربى؛ لأنه لا يخمس، وإنما هو خاص برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتصرف فيه كيف يشاء، وينفق منه ما يريد، وبعده يكون لعامة المسلمين، يصرف في مصالحهم، وأما الخمس في الغنيمة، فلا يستحقون منه شيئا؛ إلا إذا كانوا فقراء، والصحيح الذي كان عليه الحال في حياة رسول الله: أنه كان يعطي الفقراء منهم خاصة كما يقول الكاساني. واستدلوا على ذلك بما رواه محمد بن الحسن في كتاب السير أن سيدنا أبا بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا عليا -رضي الله عنهم- قسموا الغنائم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل بمحضر من الصحابة الكرام، ولم ينكر عليهم أحد، فيكون إجماعا منهم على ذلك. اهـ.

ومما له علاقة بهذه المسألة: حادثة اختصام علي وعمه العباس في الفيء، وقضاء عمر بن الخطاب بينهما، كما رواها البخاري ومسلم من حديث مالك بن أوس، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 25073، 213781، 213781، 246694.

وأخيرا ننبه على أن حكم الخمس المأخوذ في الركاز هو حكم خمس الغنيمة والفيء عند جمهورالفقهاء، خلافا للشافعية، الذين يوجبون صرفه مصرف الزكاة، وانظر الفتوى: 105956.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني