الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية النكاح للمتحابين، وتيسيره

السؤال

يقول تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
اليوم أنا في حيرة أساتذتي من أمر عجب. أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاما، التقيت بفتاة تصغرني بسنة وثلاثة شهور، كانت صديقتي في الدراسة. أحببت تلك الفتاة بشدة؛ لما رأيته فيها من شهامة وخلق، وهي أحبتني بالمثل، ولما وجدت القبول أردت دخول البيوت من أبوابها كما أمر الرحمن.
أنا أعمل، وآخذ من عملي ما قد يجعلنا نحيا مستورين، لكني لا أملك منزلا، أو سيارة، أو غير ذلك من تلك الضروريات للأهل. عندها رفض والدها لعدم مقدرتي على إحضار 100 جرام من ذهب، أو منزل، أو سيارة للفتاة، لكنها متمسكة بي، حتى قررت أن تبحث عن عمل معي، ونتزوج. فنحن متعلقان، ونرفض ما يغضب الله، ونريد الزواج لنعف أنفسنا من الخطأ.
فتفكرت، وقرأت في موقعكم عن ما يشبه حالتي، وأردت معرفة حكم ربي عن مثل تلك الحالة، فوجدت طبقا للفتوى: 1766 (شروط الزواج)
أنه ليس من الشروط أبدا إحضار منزل، أو سيارة، أو الكثير من الذهب. مع العلم أن ظروف الحياة صعبة جدا حاليا للزواج.
وفي الإسلام أن المرء يُزوَّج لدينه، وأيضا رأيت تلك الأحاديث في فتوى، مما شجعني على قرار عرض الزواج مجددا.
- (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) الآية.
- (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) الحديث.
- (التمسوا الغنى في النكاح) الحديث.
- وطبقا لتلك الاستشارات أريد الزواج، وأنا لا أملك شهادةً، أو عملا، أو مالا. فماذا أفعل؟
رقم الاستشارة: 2223432
لدي مشكلة في أمر الزواج، فكيف أحلها؟
رقم الاستشارة: 2435499
هل من حرج إن عملنا سويا حتى نتزوج، ونعف أنفسنا، وأن نترك رزقنا على الخالق، فنحن لا نريد معصيته. وفي هذه الحال هل من حق الوالد الرفض مجددا؟
فأنا سمعت عن حديث فيما معناه: أنه إن تزوجنا رغم فقرنا بغرض العفة من الوقوع فيما يغضب الله؛ فانه يعد جهادا. وطالما الفتاة بلغت سن الرشد، فلها حق قرار زواجها طبقا لهذا الحديث.
نقل السيّد محسن الحكيم في المستمسك خبر ابن عباس، أنّ جاريةً بكرًا جاءت إلى النبي فقالت: إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته، وأنا له كارهة، فقال: أجيزي ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: فاذهبي فانكحي من شئتِ، وقد ورد هذا الحديث عن ابن ماجه.
أعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاكما الله خيرا على حرصكما على طلب العفاف، وكل ما يعين عليه، ومن ذلك النكاح، وقد جاءت السنة الصحيحة مبينة أهمية النكاح للمتحابين، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لم ير للمتحابين مثل النكاح.

والشرع قد حث على تيسير النكاح، وبين أن ذلك من أسباب بركته، وأنه سبب للغنى، كما في النصوص التي أشرت إليها في سؤالك، ونرجو مراجعة الفتوى: 7863.

وما ذكرت عن والد هذه الفتاة من اشتراطات مادية، فإنها أمر طبيعي، ولا حرج عليه فيه، فالغالب في الولي شفقته على موليته، وحرصه على كل ما فيه مصلحتها، وتحصيل أسباب دوام العشرة، والذي هو من أعظم مقاصد الشرع من تشريع الزواج، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

وما دمت على هذه الحال من ضيق ذات اليد، وعدم القدرة على مؤنة الزواج، ولم تجد سبيلا لإقناع ولي هذه الفتاة في أمر زواجك منها، فاصبر حتى ييسر الله أمرك؛ لتتقدم للزواج منها، أو الزواج من غيرها. ولمعرفة كيفية علاج العشق انظر الفتوى: 9360.

ولم نفهم ما تعنيه بقولك:" نعمل سويا "، وعلى وجه العموم يجوز للمرأة أن تعمل وفقا للضوابط الشرعية، كما هو مبين في الفتوى 3859، وليس للولي أن يرفض أمر النكاح بكل حال لغير مسوغ شرعي.

وقولك: أنا سمعت عن حديث يقول فيما معناه أنه إن تزوجنا رغم فقرنا بغرض العفة....إلخ، فلم نجد حديثا يفيد المعنى، ولعلك تشير بذلك للحديث الذي رواه الطبراني والبيهقي عن كعب بن عُجرة -رضي الله عنه- قال: مرَّ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلٌ، فرأى أصحَابُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَلَدِه ونشاطِهِ، فقالوا: يا رسولَ الله! لوْ كانَ هذا في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنْ كانَ خرج يَسْعى على وَلَدِه صغارا، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرجَ يسْعى على أبوينِ شَيْخَينِ كبيرَينِ، فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خَرج يَسْعى على نفْسِه يَعَفُّها، فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خرجَ يَسْعى رياءً ومُفاخَرةً، فهو في سبيلِ الشيطانِ.

والحديث يدل على فضل السعي في طلب الكسب؛ تحصيلا للعفاف عن الحرام عموما، ومن العفاف عن الزنا.

قال المناوي في فيض القدير: قوله: (إن كان خرج يسعى على نفسه يعفها) أي عن المسألة للناس، أو عن أكل الحرام، أو عن الوطء الحرام. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني