الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من حلف أنه كلما فعل معصية سيخبر صديقه بها لينهاه عنها، ولم يخبره

السؤال

حلفت مرة بأنني كلما فعلتُ معصية معينة أخبر صديقا لي حتى يوبخني، ولكني فعلتُها كثيرا، وخجلتُ من صديقي، فلم أقل له، وواصلتُ السقوط، وأنا لا أقول له.
السؤال: هل عليَّ كفارة على كل مرة فعلتُ فيها المعصية، ولم أخبر صديقي؟ أو أنني بإمكاني أن أخبره عن كل المرات التي ارتكبتُ فيها المعصية، وهكذا أكون قد وفيتُ بيميني؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الهداية والسلامة من الغواية.

وما فعلته ليس وسيلة مشروعة لكف النفس عن المعصية، وإنما الوسيلة المشروعة هي مجاهدة نفسك على تركها، ومراقبة الله في السر والعلن، والخوف من سخط الله تعالى، وغضبه، واستحضار شؤم المعاصي والذنوب، وما يترتب عليها من عواقب وخيمة في الدنيا والاخرة.

يقول ابن القيم في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة. وقد قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [سورة الشورى: 30]. وقال تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [سورة الأنفال: 53].

فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نِعمه التي أنعم بها على أحد، حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيَّرَ غُيِّرَ عليه، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد. اهـ

وراجع لمزيد الفائدة عمّا يعين على ترك المعاصي الفتوى: 114475. وعن خطورة المعاصي ومفاسدها، راجع الفتوى: 206275.

ولا ينبغي للمسلم أن يكثر من الحلف، فإن كثرة الحلف مذمومة شرعًا، قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}. وقال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.

وكذلك: فإن المسلم مأمور بستر نفسه، ويكره له الإخبار بمعصيته، إلا لغرض شرعي، كما سبق في الفتوى: 417328.

فيمينك هذه يمين على فعل مكروه، فيستحب لك الحنث فيها، ويكره الوفاء بها.

جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (وإن كانت) اليمين (على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فحلها مندوب) لحديث عبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك» متفق عليه. لما يترتب عليه من الثواب، وترك المكروه امتثالا، وفعل المندوب، (ويكره بره) لما يلزم عليه من فعل المكروه وترك المندوب. اهـ

وأما إذا أبيت إلا الوفاء باليمين: فاعلم أن (كلما) من الأدوات التي تقتضي التكرار، ولكنها لا تقتضي الفورية من حيث الأصل، بل هي على التراخي، إلا بنية الفورية، أو قرينة.

جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (وأدوات الشرط المستعملة في طلاق وعتق غالبا ست: إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما، وهي وحدها للتكرار) لأنها تعم الأوقات، فهي بمعنى كل وقت (وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم أو نية فور أو قرينة)؛ لأنها لا تقتضي وقتا بعينه دون غيره، فهي مطلقة في الزمان كله (فأما إذا نوى الفورية، أو كانت هناك قرينة تدل عليها) أي على الفورية؛ (فإنه) أي المعلق من طلاق أو عتق أو نحوه (يقع في الحال ولو تجردت) الأداة (عن لم) حملا على النية أو القرينة. اهـ.

فقولك: (هل عليَّ كفارة على كل مرة فعلتُ فيها المعصية، ولم أخبر صديقي؟ أو أنني بإمكاني أن أخبره عن كل المرات التي ارتكبتُ فيها المعصية، وهكذا أكون قد وفيتُ بيميني؟).

فإن كنت لم تنو الفورية في يمينك، فتأخير إخبار صديقك بما فعلت لا يعتبر حنثا، وحينئذ: فإخبارك لصديقك بالمرّات التي فعلت فيها المعصية يعتبر وفاء باليمين، ولا تلزمك كفارة.

وأما إذا نويت الفورية: فإن تأخير الإخبار يعتبر حنثا.

وإذا حنثت في يمينك، ولم تكفر عنه حتى حنثت في يمينك، أو أيمانك؛ فإنه لا تجب عليك إلا كفارة واحدة على الراجح. وانظر في هذا الفتوى: 391042.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني