الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النوم قبل قيام الليل وبعده تقليدًا لرسول الله ولداود، وهل واظب رسول الله على قيام داود؟

السؤال

هل أقلّد أم أتعبّد بالنوم قبل القيام للصلاة، وبعده، كما كان سيدنا داود -عليه السّلام-، ورسول الأمّيين صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان تقليدًا، فهل أستطيع أن أنوي بها التقوّي على طاعة الله، أم إن ذلك بدعة؟ وهل يشرع أن أفعل ما قلت عن القيام؛ اتّباعًا للرسول صلى الله عليه وسلم وداود، أم لواحد فقط؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك دائمًا؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فهل صلاة داود أفضل أم لا؛ لأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت له خصائص؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اشتمل سؤالك على عدة مسائل، وتوضيح ذلك فيما يلي:

1ـ نوم النبي صلى الله عليه وسلم قبل قيام الليل، وبعده من أفعاله التي تحتمل التشريع، وتحتمل الجبلية، وهذا النوع من الأفعال قد اختلف فيه أهل العلم هل هو تشريع أم لا؟

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان أثناء الحديث عن أقسام فعل النبي صلى الله عليه وسلم: القسم الثالث: وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي، والتشريعي.

وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقًا بعبادة، بأن وقع فيها، أو في وسيلتها، كالركوب في الحج، فإن ركوبه -صلى الله عليه وسلم- في حجه، محتمل للجبلة; لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره، غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه، ومحتمل للشرعي; لأنه -صلى الله عليه وسلم- فعله في حال تلبّسه بالحج، وقال: «خذوا عني مناسككم».

ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة، والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير التي ذهب فيها إلى صلاة العيد، والضجعة على الشق الأيمن بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، ونحو ذلك، ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم; لاحتمالها للجبلي، والتشريعي. اهـ.

وقد ذكرنا في الفتوى: 24214 أنّ هذا النوع من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم محمول على التشريع، والتعبّد على القول الراجح.

وبناء على ذلك؛ فإنك تنوي بالنوم المذكور الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

2ـ كما تنوي أيضًا الاقتداء بداود -عليه الصلاة والسلام-، قال القرطبي في تفسيره: وفي صحيح البخاري عن العوام قال: سألت مجاهدًا عن سجدة "ص"، فقال: سألت ابن عباس عن سجدة "ص"، فقال: أو تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" إلى قوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"؟ وكان داود عليه السلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به. اهـ.

3ـ التقليد لا يستعمل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقال في حقه: الاتباع، قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي: «التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وهذا ممنوع منه في الشريعة، والاتّباع ما ثبت عليه حجة». وقال في موضع آخر من كتابه: «كل من اتّبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك؛ فأنت مقلّده، والتقليد في دِين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتّباع قوله؛ فأنت متّبعه، والاتّباع في الدين مسوّغ، والتقليد ممنوع. اهـ.

4ـ قيام داود -عليه الصلاة والسلام- هو أفضل القيام، وكان -صلى الله عليه وسلم- يواظب عليه، كما يظهر من كلام بعض أهل العلم، جاء في عمدة القاري للعيني: قوله: (ما ألفاه السحر عندي إلا نائمًا) يعني: ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم؛ فعلى هذا كانت صلاته بالليل، وفعله فيه إلى السحر، ويقال: هذا النوم هو النوم الذي كان داود -عليه الصلاة والسلام- ينام، وهو أنه كان ينام أول الليلة، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل. اهـ.

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: وقولها (عائشة): "ما ألفى السحر الأعلى بنبي الله في بيتي إلا نائمًا": تعنى -والله أعلم- قبل الفجر وبعد قيامه، على ما جاء "أنه إذا أوتر اضطجع"، وعلى ما قالت في الحديث الآخر الصحيح: "أنه قيام داود ينام نصفه، ويقوم ثلثه، وينام سدسه"، وعلى قولها في الحديث: "ينام أوله، ويحيي آخرها، ثم ينام ليستريح من تعب القيام، وينشط لصلاة الصبح. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: فكأن العادة جرت في جميع السنة أنه كان ينام عند السحر، إلا في رمضان؛ فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل، ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه. وقال ابن بطال: النوم وقت السحر كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي الطوال، وفي غير شهر رمضان، كذا قال، ويحتاج في إخراج الليالي القصار إلى دليل. اهـ.

5ـ بالإمكان أن تنوي بنومك -على أية حال- التقوّي على طاعة الله تعالى؛ فيكون نومك عبادة؛ فقد قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي. رواه البخاري، وفي رواية لمسلم: أما أنا فأنام وأقوم، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي. وراجع المزيد عن معنى هذا الأثر في الفتوى: 122837.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني