الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعريف القتل العمد، وكيفية توبة القاتل

السؤال

أنا وإخوتي وأبناء عمي قتلنا رجلا. وأريد معرفة نوع القتل؟ وماذا علينا أن نفعل حتى يتوب الله علينا؟
والقصة هي كالتالي: أن رجلا اعتدى على أبي بسبب خلاف على قطعة أرض، وتسبب لأبي بجروح؛ فاضطر إلى أن يذهب إلى المستشفى للعلاج. وكان أحد إخوتي برفقة أبي، فضرب الرجل بحجر على رأسه وسال دمه. ثم تدخل الناس الحاضرون وَفَضُّوا الشجار، حيث كان الأمر في السوق.
وبعد العلاج رجع أبي وأخي إلى البيت من المستشفى، ولم يمكث أبي إلا ساعة أو أقل.
بعد 5 أيام راقبنا أنا وإخوتي وأبناء عمي هذا الرجل، إلى أن أمسكنا به يقف بسيارته على الإشارة الضوئية؛ فأغلقنا عليه الطريق، وقمنا بطعنه بالسكاكين، وضربه على رأسه بالساطور إلى أن فارق الحياة في نفس اللحظة، حيث لم تُجْدِ علاجات سيارة الإسعاف التي استدعاها المارة، نفعا. إلا أنني أعيش حياة ضنك وحزن وألم، حيث إن أبناء هذا الرجل رفضوا الصلح، رغم عرضنا أن ندفع دية مضاعفة.
بعض أئمة المساجد عندنا ومن درسوا الشريعة، قالوا إن هذا قتل عمد؛ لأنه لم تتح للرجل فرصة الدفاع عن نفسه، أو حتى الهرب. وقالوا أيضا بحسب القرآن من يقتل مسلما متعمدا فهو مخلد في النار.
أنا الآن في حيرة من أمري. ماذا أفعل؟
لقد تبت، وأصلي، وقد حججت واعتمرت، واستغفرت.
فهل هذا ينفعني، أم سوف أحاسب على هذا القتل، علما أنني أنا المبادر لهذا العمل انتقاما لأبي، ولم يقنعني أحد؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن القتل المذكور، قتلُ عمد؛ لأنه ضرب بما يجرح، ويغلب على الظن الموت به، فالطعن بالسكاكين، وضرب الرأس بها يغلب على الظن الموت به، فهو داخل في قتل العمد.

قال صاحب زاد المستقنع: فالعمد: أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما، فيقتله بما يغلب على الظن موته به، مثل أن يجرحه بما له مَوْر في البدن، أو يضربه بحجر كبير ونحوه. اهــ.
وجاء في كشاف القناع: وَهُوَ أَيْ قَتْلُ الْعَمْدِ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ، لِلِاسْتِقْرَاءِ، أَحَدُهَا أَنْ يَجْرَحَهُ بِمُحَدِّدٍ لَهُ مَوْرٌ -بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ- أَيْ دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ فِي الْبَدَنِ، بِقَطْعِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ كَسِكِّينٍ وَسَيْفٍ. اهــ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: الْقَتْل الْعَمْد هُوَ الضَّرْبُ بِمُحَدَّدٍ أَوْ غَيْرِ مُحَدَّدٍ، وَالْمُحَدَّدُ، هُوَ مَا يَقْطَعُ، وَيَدْخُل فِي الْبَدَنِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَأَمْثَالِهِمَا مِمَّا يُحَدِّدُ وَيَجْرَحُ. وَغَيْرُ الْمُحَدَّدِ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُول الزَّهُوقِ بِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ كَحَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ. اهــ.

وأما ماذا تفعل وقد تبت، وحججت وصليت، واعتمرت؟ فلا شك أن هذه أعمال صالحة تنتفع بها -إن شاء الله تعالى- فيما بينك وبين الله عز وجل.

وقد بينا في الفتوى: 158831، أن للقاتل توبة، ولكن توبتك لا تسقط حق أولياء المقتول في القصاص إن ثبت أن عليك القصاص، كما لا تسقط حق الشخص المقتول يوم القيامة.

وقد ذكرنا في الفتوى التي أحلناك إليها، كلام ابن القيم في أن الله -تعالى- قد يعوض المقتول حتى يعفو عن القاتل التائب، فانظر تلك الفتوى.
كما بيَّنا ما يترتب على حكم قتل العمد، وكفارته، في الفتوى: 10808، والفتوى: 109347.

كما ذكرنا ما يترتب على المشاركة في قتل العمد، في الفتوى: 41748، والفتوى: 323791، والفتوى: 263743.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني