لا يسقط حق الملاعنة في المهر وإن اعترفت بالزنى

15-7-2009 | إسلام ويب

السؤال:
لقد سجلت مكالمة هاتفية لزوجتي مع شخص آخر، وبعد المواجهة اعترفت بالزنا مع هذا الرجل، واعترفت بممارسة الرذيلة أكثر من 8 مرات، وهي حامل الآن ولا تعرف ممن هذا الحمل: هل مني أم الرجل الآخر؟ ووعدتني أن تتوب وتصلي وتقرأ القرآن وغيره، مقابل أن لا أطلقها، وما يكسر ظهري أن عندي منها بنتا واحدة وأحبها كثيراـ حيث تشبهني ـ وأمرتها أن تسقط الجنين أولا، لأنه حالة شك فظيعة، فهل يجب علي تطليقها أم أعطيها فرصة للتوبة؟ مع العلم أنني لو لم أكن أنا الذي كشفتها ما طلبت التوبة منها .
وهل يحق لها الذهب المقدم الذي قدمته لها والمؤخر في حال الطلاق.
وأريد أن أعرف طبيعة هذا البلاء الذي ابتليت به، مع العلم أنني ـ والله ـ لم أزن في حياتي قط أبدا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية لا يجوز لهذه المرأة أن تجهض هذا الجنين، فجريمة الزنا لا تبرر جريمة الإجهاض، مهما كانت عوائقه النفسية والاجتماعية. وقد سبق التنبيه على هذا في الفتويين رقم: 6045، 47191.

وأما مسألة المهرـ الذهب ـ فالمرأة تستحقه بمجرد الدخول بها على أية حال، حتى ولو وصل الأمر إلى اللعان أو الاعتراف بالزنا، فإن الملاعن لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماله يعني الصداق، قال له صلى الله عليه وسلم: لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها . متفق عليه.

قال النووي: فِي هَذَا دَلِيل عَلَى اِسْتِقْرَار الْمَهْر بِالدُّخُولِ وَعَلَى ثُبُوت مَهْر الْمُلَاعَنَة الْمَدْخُول بِهَا وَالْمَسْأَلَتَانِ مُجْمَع عَلَيْهِمَا، وَفِيهِ أَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ يَسْقُط مَهْرهَا. اهـ.

وقال ابن حجر: وَيُسْتَفَاد مِنْ قَوْله فَهُوَ بِمَا اِسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجهَا أَنَّ الْمُلَاعَنَة لَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسهَا بَعْد اللِّعَان وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ، لَكِنْ لَا يَسْقُط مَهْرهَا. اهـ.

ومع ذلك فللزوج أن يضيق عليها لتتنازل عن مهرها وتفتدي نفسها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال: مالي، قال: لا مال لك عندها، إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك، لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب. اهـ.

يعني بذلك الإعضال المذكور في قوله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {النساء: 19}.

قال ابن كثير: قوله: إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المُسَيَّب والشَّعْبِيُّ والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جُبَيْرٍ ومجاهد وعِكْرَمَة وعَطاء الخراسانيّ والضَّحَّاك وأبو قِلابةَ وأبو صالح والسُّدِّي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها.

وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان. واختار ابن جرير أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا والعصيان والنشوز وبَذاء اللسان وغير ذلك. اهـ.

وقال السعدي: إذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل. اهـ.

وأما بالنسبة لطلاق هذه المرأة المعترفة بالزنا فحسب حالها، والأصل أنه لا يجوز إمساك الزانية إلا إن تابت، فإن ظهر لك منها صدقها في التوبة فلا بأس بإمساكها وإعانتها على الصلاح والتكفير عن ذنبها، وإلا فطلقها من غير تردد، فإنه لا شك أن إمساكها مع فسادها فيه من المعرة ونقص الديانة ما يأنف منه المسلم، وراجع الفتويين رقم: 25475،ورقم : 12315.

هذا إذا لم تكن المرأة حاملا، أما مع الحمل ـ كما في السؤال ـ فالأمر يختلف بحسب احتمال كون الولد من الزوج أو لا، فإن احتمل كون الولد من الزوج، جاز له إمساكها إن تابت، وينسب الولد له.

أما إذا لم يحتمل إلا كون الولد من الزنا فيجب على الزوج ملاعنة زوجته لنفي الولد، قال النووي في منهاج الطالبين: له قذف زوجة علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا، كشياع زناها بزيد مع قرينة بأن رآهما في خلوة، ولو أتت بولد وعلم أنه ليس منه لزمه نفيه، ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا حرم النفي. اهـ.

وقال الشيرازي في المهذب: النسب يحتاط لإثباته ولا يحتاط لنفيه، ولهذا إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه ويمكن ألا يكون منه ألحقناه به احتياطا لإثباته ولم ننفه احتياطا لنفيه اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: لا يلزم من كون الولد منه انتفاء الزنا عنها، كما لا يلزم من وجود الزنا منها كون الولد منه، ولذلك لو أقرت بالزنا أو قامت به بينة لم ينتف الولد عنه، فلا تنافي بين لعانه وبين استلحاقه للولد اهـ.

وقال شيخ الإسلام في قاعدة في المحبة: الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي الظالمة له المعتدية عليه، فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء، وقذفها إما مباح له، وإما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب. اهـ.

ثم ننبه السائل على أنه لا يمكن الانتفاء من الولد ـ إلا باللعان، فإن لم يلاعن لحق به، ولا يفيده في نفي النسب اعتراف الزوجة بالزنا، لأن للولد المولود على فراشه حقا في أن ينسب إليه نسبة شرعية فلا يسلب منه هذا الحق إلا بلعان، ويشترط في اللعان الفورية وعدم تأخير الزوج نفي الولد حال العلم بذلك إذا لم يكن عذر، فإذا لم يحصل اللعان فهذا الجنين إن خرج حيا نسب إلى الزوج بحكم الفراش، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري.

وقد سبق تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 59172، 3100، 6280، 40956، 31446، 7105، 72548.

وأما طبيعة هذا البلاء الذي ابتلي به السائل رغم أنه لم يقترف هذه الفاحشة قط، فإنه ليس من شرط وقوع المرأة في الفاحشة أن يكون زوجها يقترف الفواحش، فإن أول ملاعن في الإسلام هو هلال بن أمية وهو من أهل بدر وأحد الثلاثة الذين تيب عليهم.

 وقد يبتلى المرء في امرأته بما هو أكبر من الزنا، وهو الكفر والعياذ بالله، كحال امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام.

وعليك أخي الكريم أن تتفكر في حالك مع امرأتك، هل كان منك تقصير في حقها، سواء في حقوق الفراش، أو في حق التربية والتوجيه والنصح والتعهد؟، فإن الرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته، وحتى تستفيد من ذلك في ما تستقبل من حياتك.

والله أعلم.

 

www.islamweb.net