استقلالية القضاء في الإسلام

20-6-2011 | إسلام ويب

السؤال:
هل القضاء في الإسلام مستقل عن الحاكم بحيث إذا أخل الأخير بواجبه أو خالف الشرع يحاسبه القضاء و يعاقبه ؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
 فلا شك أنه يجب على القاضي أن  يتحرى حكم الله تعالى عندما يصدر أحكامه ستقلا عن      أي مؤثرات سوى إرادة موافقة حكم الله الذي هو العدل الحق.
ومسألة استقلالية القضاء في الإسلام  حقيقة  ثابتة لا مرية فيها، فلا سلطان على القاضي في إصدار الأحكام إلا سلطان الشرع، ونصوص الشريعة وقواعدها العامة تمنع الحاكم أو غيره من التدخل في القضاء أو التأثير في أدائه بأي وجه من الوجوه. 
قال تعالى : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.  (المائدة: 8). وقال تعالى : وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء: 58).
جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي : ولعل أهم دعامة في الشريعة لحقوق الإنسان هي استقلال القضاء، فالقاضي لا يرجع إلا إلى الشريعة وضميره .
ويوضح هذا الاستقلال الرسالة المختصرة التي أرسلها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى واليه معاوية بن أبي سفيان حاكم سورية وفلسطين: إنه لا سبيل لك على عبادة بن الصامت . وكان عبادة قاضيًّا لفلسطين من قِبل الخليفة، وهنا يضع عمر حدًّا لتدخل الولاة في شأن القضاة....اهـ
 
 وقد ذكر الفقهاء أن السلطان لا ينقض حكم القاضي إلا إذا خالف الشرع.
 ففي الدرديري عند قول خليلورفع الخلاف لا أحل حراماً. قال: فإذا حكم بفسخ عقد أو صحته لكونه يرى ذلك لم يجز لقاض غيره ولا له نقضه، ولا يجوز لمفت علم بحكمه أن يفتي بخلافه، وهذا في الخلاف المعتبر بين العلماء....
 وقال السبكي في فتاويه: إن حكم الحاكم في المجتهدات لا ينقض إلا إذا خالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي أو القواعد الكلية.. 
 
جاء في بحث أبرز خصائص القضاء في الإسلام للدكتور ماهر أحمد  بتصرف ما يلي: للقضاء في الإسلام سلطة مستقلة، لا يملك أحد التأثير في أحكامها ونظرها للأمور بحال من الأحوال، حتى ولو كان الرأس العليا في الدولة، وهذا يعني شفافية القضاء في الإسلام، ونزاهته، وعدم انحيازه لأحد بشكل من الأشكال، وإن انحاز فإنه لن ينحاز إلا إلى الحق فقط.
مظاهر استقلال القضاء في الإسلام:
1 ـ القضاء في الإسلام يستند إلى شرع الله تعالى: وفي هذا يقول الله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ… أي احكم بين الناس بالعدل، ولا تتبع هوى نفسك فيضلك عن سبيل الله.
ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً. وقوله تعالى: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ.
 وإذا كان القضاء بهذا المعنى مستنداً إلى شرع الله تعالى، فإن هذا يعني أنه منزه عن هوى الأنفس، وتشهي الحكّام. يقول الطبري في تفسير قوله تعالى مخاطباً داود عليه السلام: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ: ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل فيه, فتجور عن الحق.
وفسرها القرطبي بقوله: لا تقتدِ بهواك المخالف لأمر الله ، ومعلوم أنه أكثر ما يؤثر  في القضاء هو هوى الحكّام وشهوتهم، فلا يستطيع مقاومتها إلا من رحم الله تعالى.
وفي التطبيق العملي الدال على ذلك في واقع المسلمين، ما جاء عن رسول الله  حينما كلمه أسامة بن زيد رضي الله عنه في شأن المرأة المخزومية، حيث قال عليه الصلاة والسلام:  وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
وفي هذا النص دلالة واضحة على أن القضاء في الإسلام لا يتأثر بالشفعاء، ولا بالمودة والقرابة، حيث ظهر في الحديث أن رسول الله r ردّ شفاعة أسامة، من ناحية، ومن ناحية أخرى أعلن أن قرابته لفاطمة ابنته لن تمنعه من تنفيذ حكم الله عليها لو أنها فعلت ما يوجب ذلك.
2ـ الفصل بين السلطة القضائية في الدولة الإسلامية وغيرها من السلطات الأخرى: عرفت الدولة الإسلامية مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية
 أ ـ عدم جواز عزل القاضي بدون سبب مبيح لذلك:
 تقرر عند الفقهاء أنه لا يجوز للإمام عزل القاضي دون سبب مبيح لذلك.
وهذا يعني أن القاضي لا يتعرض لأي نوع من أنواع التأثير الذي قد تقوم به السلطة التنفيذية، حيث يأمن على نفسه ابتزاز هذه السلطة، ويطمئن إلى أنه لن يعزل من منصبه إلا بسبب مشروع، وبذا يكون حر القرار، لا يحكم بموجب هوى من قاموا بتنصيبه قاضياً.
  ب ـ يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً
  اشترط الفقهاء في القاضي الاجتهاد وهذا الشرط يعني أنه في القضايا التي لا نص فيها ملزم بإتباع اجتهاده، ولا يجوز لأحد مهما كان أن يلزمه أن يحكم بغير اجتهاده، وإلا لما كان لهذا الشرط فائدة، هذا في القضايا التي لا نص على حكمها، ولكن إذا كانت القضية مما نص الشارع على حكمها فإن هذا يعني إتباعه لشرع الله تعالى فقط، ولا يجوز أن يتبع أحد غير شرع الله تعالى، وهذا أيضاً يؤكد على استقلال القضاء، وعدم إمكانية التدخل فيه من قبل أي سلطة غير سلطة القاضي نفسه.
 
والله أعلم.
 
 
 
 
 

www.islamweb.net