تفصيل القول في شأن عورة المرأة مع المرأة

22-8-2012 | إسلام ويب

السؤال:
أنا مقيمة بالسعودية وقد درسنا في كتاب الفقه أن عورة المرأة أمام محارمها وأمام النساء ما يظهر منها غالباً، وقد قرأت في تفسير القرآن لابن كثير قي سورة النور أن هذه هي مواضع الزينة التي يجب أبداؤها، وللتأكد أرجو منكم الاطلاع على تفسير الآية وأريد أن أعرف هل العلماء مختلفون في هذا الأمر وما سبب اختلافهم؟ وهل آثم إن قلت إن عورة المرأة من السرة إلى الركبة وقد سمعت في فتوى من فتاويكم أن إظهار العورة من الصغائر على حد تذكري؟ فكيف تكون من الصغائر وقد قال صلى الله عليه وسلم: بمعنى الحديث أن الكاسيات العاريات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؟ أم أن المقصود بالحديث التي تتعرى وتلبس اللباس الضيق أمام الرجال؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، لأن هذا الأمر حيرني كثيراً وأخاف أن أكون منافقة أي علمت أن هذه هي الأماكن التي يجب أبداؤها ولكني أردت التخفيف فاتبعت الأسهل أي من السرة إلى الركبة، وبصراحة أريد أن أعمل بقلب مرتاح وبيقين، مع العلم أنني قرأت في فتوى لديكم أن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ كن يلبسن لباس أي بما يظهر منها غالباً فعملت بهذا تقريباً لأن من تشبه بقوم فهو منهم، ولكنني أريد أن أعرف ما يجوز أبداؤه أمام النساء، وهل إن لبست لباسا يستر من السرة إلى الركبة أكون بعيدة عن التشبه بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحشر معهن بإذن الله؟ وبصراحة قد اطلعت على كثير من الفتاوى بموقعكم وغير من المواقع وبصراحة أريد الخلاصة وكلاما يقينا وجازما وجزاكم الله خيراً على ما تقومون به من مساعدة المسلمين.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه قد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 7254، أن عورة المرأة مع المرأة المسلمة من السرة إلى الركبة في قول جمهور أهل العلم، وعند آخرين أن عورتها مع المرأة المسلمة كعورتها عند محارمها، وأن الراجح قول الجمهور، قال البغوي في تفسير قوله تعالى: ... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ـ قوله تعالى: أو نسائهن ـ أراد أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة إلا ما بين السرة والركبة كالرجل المحرم.... انتهى.

 وعليه، فلا ياثم من قال إن عورة المرأة مع المرأة هو ما بين السرة ‏والركبة وإذا قامت المسلمة بلبس ما يبدي ذلك منها في حضور مسلمة فهو  جائز، والقول بأن عورة المرأة عند أختها المسلمة هو ما يظهرُ غالباً كالذي تظهره المرأة عند محارمها، هو الأحوط  ولا سيما عند فساد الناس وقد رجحه جمعٌ من محققي العلماء، لأن الله قارن النساء في الآية بالمحارم، فاستدل به من قال باستوائهم فيما يجوز أن تظهره المرأة أمامهم، قال عز وجل: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ {النور :31 }.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، وحال المهنة ـ يعني الخدمة في البيت ـ كما قال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ {النور:31} وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونساء الصحابة، ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا، وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية هو ما يظهر من المرأة غالباً في البيت، وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة هو أيضاً طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها، وهذا موجود بينهن وفيه أيضاً قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبهاً بالكافرات والبغايا والماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. انتهى.

وأما اتباع نساء السلف فلا شك أنه أولى وأنهن نعم القدوة والأسوة وقد أثر عنهن الحرص على التستر واستقباح التكشف بينهن، فقد نقل ابن كثير عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا ـ والله أعلم ـ أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث: أن أسماء بنت مرشدة كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متأزرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ـ الآية. اهـ.

فالأولى الحرص على التستر وعدم ابداء ما سوى الأطراف مع النساء، فقد قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاواه: عورة المرأة مع المرأة، كعورة الرجل مع الرجل أي ما بين السرة والركبة، ولكن هذا لا يعني أن النساء يلبسن أمام النساء ثياباً قصيرة لا تستر إلا ما بين السرة والركبة فإن هذا لا يقوله أحد من أهل العلم، ولكن معنى ذلك أن المرأة إذا كان عليها ثياب واسعة فضفاضة طويلة ثم حصل لها أن خرج شيء من ساقها أو من نحرها أو ما أشبه ذلك أمام الأخرى فإن هذا ليس فيه إثم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن لباس النساء في عهد النبي صلي الله عليه وسلم الله عليه وسلم كان ساتراً من الكف كف اليد إلى كعب الرجل ومن المعلوم أنه لو فتح للنساء الباب في تقصير الثياب للزم من ذلك محاذير متعددة، وتدهور الوضع إلى أن تقوم النساء بلباس بعيد عن اللباس الإسلامي شبيه بلباس الكفار. انتهى.

وقد منع جمع من أهل العلم أن  تبدي المرأة أطرافها بحضرة الفاسقات اللاتي يخشى أن يصفنها للرجال أو ينظرن إليها بشهوة، فقد قال ‏الإمام العز بن عبد السلام من الشافعية: والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة.

وفي ‏الفتاوى الهندية عند الأحناف: ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها الفاجرة، لأنها ‏تصفها عند الرجال فلا تضع جلبابها ولا خمارها عندها.‏

وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة هي كعورة الرجل إلى الرجل، أي ما بين السرة والركبة، ولذا يجوز لها النظر إلى جميع بدنها عدا ما بين هذين العضوين، وذلك لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا، ولكن يحرم ذلك مع الشهوة وخوف الفتنة. انتهى.

وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 54900، أن كشف الرجال عن العورة غير المغلظة يعتبر من الصغائر، لأنه لم يرد فيه وعيد، وأما النساء فلم نذكر ذلك فيهن وهن يختلفن عن الرجال، لما ثبت من الوعيد في تبرجهن فلا شك أن إبداءهن لأطرافهن أمام الأجانب يعد من التبرج، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ويلحقهن بالكاسيات العاريات المتوعدات بالنار، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 66102، 115873، 161855، 34838.

والله أعلم.

www.islamweb.net