كيفية رد المال المأخوذ بغير حق من جهات حكومية في بلد أوروبي

17-6-2013 | إسلام ويب

السؤال:
أنا امرأة مسلمة، أعيش مع ابني في بلد أوربي، ومنذ عشر سنوات كنت أتلقى معونة اجتماعية، ودعم سكن. وخلال هذه الفترة استلمت رسالة من شركة السكن مفادها أن إيجار الشقة سوف يزداد بمقدار كبير. فأخذت الرسالة إلى المسؤول عني بالبلدية، ويسمى بالمشرف الاجتماعي، فقرر فورا أخذي شخصيا إلى قسم دعم السكن؛ لرفع المعونة لي في حالة زيادة الإيجار.
وبالفعل بعد مرور شهرين ازداد دعم السكن لي بشكل ملحوظ، ولكنني لم أبال كثيرا؛ لأنني كنت منهمكة جدا في تعلم لغة البلد الأوربي، ورعاية ابني الرضيع بعد أن انفصلت عن زوجي؛ لصعوبة العيش معه. ومرت السنون، واكتشفت في يوم من الأيام أن إيجار البيت لم يزدد مطلقا، ولكن الذي زاد هو فقط دعم السكن؛ ولأنني كنت أوقع دائما إقرارات على نفسي وفقا للقانون؛ ولذلك فإن الإبلاغ عن استلام مبالغ غير مشروعة يوقعني في مصائب قانونية، حيث خفت من إبلاغهم؛ لأنهم لن يصدقوا أنني لم أكتشف عدم زيادة إيجار شقتي، وسيتهمونني بسرقة أموالهم؛ لذلك أهملت الموضوع، ولكنني أعلم بأن هذا مال حرام يدخل مع أموالي الحلال. وقلت في نفسي لعلي في يوم من الأيام أجد حلا لإعادة هذا المال. وأنا أعترف بأنني قصرت في حل المشكلة منذ بدايتها، فقد علمت بعدها أن الساكنين رفعوا دعوى ضد شركة السكن وكسبوا القضية، ولم يزدد الإيجار، فتغاضيت عن كل الموضوع.
وبعد حصولي على عمل محترم، ذهبت إلى دائرة دعم السكن التابع للبلدية من أجل إبلاغهم بحصولي على عمل حتى أحصل على قدر قليل من دعم السكن، وبعد فترة راجعتهم لإبلاغهم بأن إيجار البيت انخفض؛ ولذلك اختاروا قطع دعم السكن عني بسبب وضعي المادي الجيد.
وخلال هذا الشهر سمعت محاضرات لكم عن علامات الساعة الكبرى، والصغرى، وعن الغلول في الإسلام، وكيف أن من غل شيئا في الدنيا يأتي بما غل يوم القيامة معلقا في رقبته، ومصيره نار جهنم، وبئس المصير.
وبناء عليه قررت مكالمة دائرة دعم السكن لإبلاغهم عن رغبتي بإعادة أموالهم إليهم؛ بحجة أنني عملت، وحصلت على جنسية البلد، ووضعي المادي جيد.
ولكنهم لم يرحبوا بالموضوع؛ لأن ما استلمته منهم لا يمكن إرجاعه فهو منحة، ومساعدة لدفع الإيجار لغير القادر.
وقالوا بأن لهم مراجعات سنوية لكل شخص يستلم منهم، وطالما أنهم راجعوا حساباتي عندهم السنوية، وليس هناك إشكال، إذا لا يمكن إعادة المال لهم.
فأنا في هذه الحالة لا أستطيع أن أثبت الخطأ القديم الذي مضى عليه عشر سنوات، وإذا فعلت فإنني أعرض نفسي للتهلكة، فقوانين هذا البلد لا ترحم حتى رئيسة وزرائه، ولا الملكة نفسها، فلا أريد أن أوقع نفسي في مشاكل قانونية تفضحني أمام الناس بالجرائد، ويتشرد ابني الصغير في حالة إدانتي، وأخسر جنسية هذا البلد بعد كفاح طويل جدا للحصول عليها.
ومثال بسيط أن شخصا صاد ثلاث سمكات، وبالصدفة مرت عجوزتان اشترتا منه هذه السمكات، ولا أعرف كيف عرفت الشرطة بالأمر. حيث تم القبض عليه بتهمة عدم دفع ضريبة لمبلغ هذه السمكات الثلاث، وتم فضحه بالجرائد، مع غرامة قانونية كبيرة.
هذا مثال بسيط، ولدي المزيد، ولكنني أطلت كثيرا.
كما أنني أخشى مطالبتي بفوائد المبلغ المحجوز لدي منذ سنين، وبذلك أخوض بأمور محرمة أخرى وهي دفع السحت لهم، ودفع فوائد السحت.
قمت بعزل المبلغ لدي الآن، وتبت إلى الله سبحانه وتعالى، ونويت إعادته، ولكنني متوقفة الآن عند نقطة من يأخذ هذا المال العام.
دعم السكن تابع للبلدية، والبلدية لها أقسام شتى، وقسم دعم السكن أحد أقسامها.
فسؤالي: هل بإمكاني التبرع بالمبلغ على مراحل متعددة لجهات حكومية لها مشاريع عامة؟
هناك جمعية دعم مرضى السرطان في هذا البلد، وجمعيات أخرى حكومية تجمع تبرعات لخدمات عامة شريفة، وهادفة.
المال السحت الذي لدي معزول، ومحرم علي وعلى ابني. وبانتظار جوابكم الكريم وتوجيهكم بحيث أضمن تبرئة ذمتي من هذا المال، وأنجو بإذن الله بعد مماتي.
أنا أعلم الجهة صاحبة المال، ولكنني لا أستطيع الخوض في مشاكل قانونية لا أعرف كيف يمكن أن تكون نتائجها، فالموضوع قديم جدا بالنسبة لهم، ولا يمكن أن يندرج تحت قائمة الخطأ وإنما تحت قائمة الاحتيال عليهم، وقد شهدت جرائدهم فضائح ناس سلموا أنفسهم إلى القانون ولم يرحمهم القانون.
بانتظار فتواكم. وشكرا لكم.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فجزاك الله خيرا على تحريك للحلال، وخشيتك من الحرام. وما خاب سعي من اتقى الله عز وجل؛ قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:3}. ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

  وهذا المال الذي أخذته بغير حق، كان الواجب عليك إبلاغ الجهة المسؤولة مباشرة لتقطعه. أما وقد كان ما كان، وعزلت المال، وتبت إلى رب العزة والجلال، وسعيت في رد المال إلى الجهة المسؤولة، لكن لم يمكن ذلك ولو بطرق غير مباشرة إلا بما فيه ضرر أكبر، فالسبيل إلى التخلص منه هو صرفه فيما ذكرت، كأن تدفعيه إلى جهات حكومية لها مشاريع عامة كجمعية دعم مرضى السرطان، أو الجمعيات الحكومية الأخرى ذات النفع العام، الهادف الشريف، وبذلك تبرأ ذمتك منه بإذن الله.

والله أعلم.

www.islamweb.net