ذمة الشريكين في شركة العقود ذمة واحدة

20-8-2014 | إسلام ويب

السؤال:
أسست مع شريكي شركة تجارية في دمشق في عام 2003 م، وعملنا معاً حتى عام 2012، حيث قامت سلطات الأمن السورية باعتقاله بداية ذلك العام بعد مشاركته بأنشطة تخص الثورة السورية، وانقطعت أخباره بعد ذلك بشكل تام، ولا نعرف إن كان لايزال حياً أم أنهم قد قتلوه في المعتقل حاله كحال عشرات الآلاف من أبناء بلدنا ـ نسأل الله الفرج له ولجميع المظلومين ـ وخلال السنوات الثلاث الأخيرة قبل اعتقاله قام بسحب مبالغ كبيرة لحاجته للمال لبناء بيت له، وكان مجموع ما سحبه من صندوق الشركة أكثر من ضعف مستحقاته من الأرباح مما أثر على نشاط الشركة ورتب عليها ديوناً تجارية لشركات أخرى، وقد كنت حريصاً دوماً على مراقبة وتقليص ديون الشركة للغير وكذلك على الغير للحد الأدنى إلا أن شريكي ـ أصلح الله حاله ـ كان ينتهج عكس تلك السياسة، ورغم أنني كنت أذكره دائماً، وخاصة في العامين الأخيرين 2010 و 2011، أن ديون الشركة ارتفعت كثيراً بسبب مسحوباته إلا أنه استمر بالاستجرار موضحاً أنه سيتحمل كل مسؤولياته المالية التي يمكن أن تترتب على ذلك، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بسبب اعتقاله، وكنا في بداية كل عام جديد نقوم بإجراء حسابات وجرد كامل للعام المنصرم، وكنا قد قمنا بتوكيل محاسب قانوني لإجراء حسابات الشركة وتوزيع الأرباح خلال السنوات المنقضية، وكان آخر حساب تم إجراؤه في بداية عام 2011 م، حيث توضح حجم السحوبات المالية الكبيرة التي أجراها شريكي خلال عام 2010، وتبين أنه قد سحب من المال ما يتجاوز ضعف مستحقاته كأرباح ويستغرق معظم رأس ماله أيضاً، ورغم توضح تلك الحقيقة إلا أنه استمر يستجر المبالغ الكبيرة واستمرت ديون الشركة بالارتفاع خلال عام 2011 أيضاً، ولأننا كنا متفقين على أن يتم إجراء حسابات العام المنصرم دوماً في بداية العام الجديد الذي يليه بحضورنا جميعاً فقد انتظرت خروجه من السجن الذي دخله كما أسلفت بداية عام 2012 لنقوم بإجراء حسابات الشركة لعام 2011 لكن غيابه طال ومرت الأيام والشهور وزادت الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم ووقعت الشركة في عجز مالي كبير بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية ولم يعد بالإمكان استيفاء مستحقات الشركة على المدينين من الشركات والأفراد الآخرين وتراجع حجم العمل بشكل كبير وأصبح الناتج الإجمالي سلبي ـ أي خسارة يومية ـ وبالتالي لم يعد بالإمكان وفاء مستحقات ديون الشركة للشركات المدينة، وبعد عام ونصف من اعتقاله بدأت أجهزة الأمن تتردد إلى مقر الشركة، وقاموا باستجوابي ومن ثم أرسلوا عناصر من الأمن في طلبي فتخفيت مدة ثم اضطررت للخروج من البلد بشكل مفاجئ خشية الاعتقال وحرصاً على سلامة أسرتي بعد أن خسرنا أكثر ما نملكه بسبب الحرب وأصبح التهديد يطال حياتنا جميعاً بشكل مباشر، خرجت هارباً إلى بلد آخر ولم أتمكن حتى من تصفية أمور الشركة ولم يعد بمقدوري التصرف بشيء منها وبدأت البحث عن فرص جديدة للعيش وكسب الرزق، ومنذ مدة قصيرة اتصل بي تاجر كان لشركته ذمة تجارية ـ نتيجة العمل التجاري الذي كان قائماً بيننا فيما سبق ـ على شركتنا التي انهارت، وطالبني بأداء الذمة المالية التجارية لشركته، ورغم انهيار الشركة وحقيقة أنني لا أملك ما أسدد به دينه التجاري على شركتنا المنهارة حالياً، لأنني لم أجد عملاً حتى الآن إلا أنني حريص على معرفة حكم الشرع في المسألة لأسعى لتبرئة ذمتي في أقرب وقت حين أتمكن من أدائها ـ إن شاء الله ـ والسؤال هو: هل يترتب علي بشكل شخصي أداء تلك الذمة التجارية؟ أم أنه يجب علي أداء جزء منها بحكم أنني كنت طرفاً في الشركة؟ وكيف السبيل إلى تقدير حصة شريكي المعتقل من هذه الذمة، علماً بأن ظروف الحرب وانهيار الشركة بالطريقة التي وصفتها سبب العجز الكامل عن مطالبة المدينين، وشريكي المعتقل كان قد أخذ من المال ما يزيد عن ضعف حصته بل ويستغرق رأس ماله أيضاً، والحق أن مسحوباته التي تجاوزت ضعف مستحقاته واستغرقت رأس ماله كانت السبب الرئيسي في تضاعف حجم ديون الشركة، وطبعاً لم يعد بالإمكان مطالبته ومن غير المجدي انتظار خروجه لانقطاع أخباره تماماً ولعدم معرفة وضعه هل مازال حياً أم تمت تصفيته في المعتقل؟ وأصبحت عاجزاً عن مطالبة أسرته، لأن حالهم ليس بأفضل من حالنا وهم أيضاً قد خرجوا فارين من الاعتقال أو القتل ولا يملكون شيئاً بعد أن خسروا كل شيء بسبب الحرب.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج عنكم الهم، وينفس عنكم الكرب، وييسر لكم الخير حيث كان، وأما سؤالك: فجوابه أن ذمة الشريكين في شركة العقود ذمة واحدة، فكل منهما حميل وكفيل عن شريكه في ديون الشركة، ولصاحب الدين أن يطالب أيّاً منهما بما له على الشركة، ثم يرجع كل شريك على شريكه بما تحمله عنه، قال البابرتي في العناية: إذا افترق المتفاوضان وعليهما دين فلأصحابه أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع ذلك، فإن أدى أحدهما شيئا لم يرجع على شريكه بشيء حتى يزيد المؤدى على النصف فيرجع بالزيادة، لأنها تنعقد على الكفالة بما كان من ضمان التجارة، وحينئذ كان للغرماء أن يطالبوا أيهما شاءوا بجميع الدين.. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: يجوز لكل واحد منهما أن يقضي ما ادّاناه، أو ادّانه صاحبه، أو ما يوجب لهما من غصب على رجل أو كفالة، لأن كل واحد منهما كفيل الآخر، فيملك أن يستوفي حقوقه بالوكالة، وما وجب على أحدهما فلصاحب الدين أن يأخذ كل واحد منهما، لأن كل واحد منهما كفيل عن الآخر، وكل واحد منهما خصم عن صاحبه يطالب بما على صاحبه، ويقام عليه البينة، ويستحلف على علمه فيما هو من ضمان التجارة... اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى رقم: 59764.

ثم إنه كما أن على المدين أن يوفي صاحب الدين حقه، فإن على صاحب الدين أن يُنظِر المعسر إلى الميسرة، كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 280}.

قال السعدي: وإن كان المدين ذو عسرة لا يجد وفاءً فنظرة إلى ميسرة، وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون، إما بإسقاطها أو بعضها. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 12311.

والله أعلم.

www.islamweb.net