هل يعاقب الشخص بسبب الذنوب التي تاب منها؟

30-9-2020 | إسلام ويب

السؤال:
كنت مرتبطا بفتاة لمدة عامين، وكنا ننوي أن نتزوج بعد إنهاء دراستنا. تلك الفتاة أخلاقها حميدة، وأهلها محترمون، وهي أهل لأن تكون زوجة صالحة، لكني للأسف كنت أرتكب بعض الذنوب والمعاصي من الكبائر التي لا ترضي الله، لكن دون معرفة البنت بها. فعاقبني الله بأنها قررت تركي، بسبب مشاكل أخرى حدثت بيننا دون علمها بالذنوب التي أرتكبها سرا، ولكن بعد ذلك تبت إلى الله، وندمت على ما فعلت، وظللت أدعو الله أن يرجعها لي مرة أخرى، وبالفعل رجعنا وقررنا أن نتم الخطوبة. وصلينا استخارة، ووفقنا الله وتمت الخطوبة.
ولكن بعد سنة من الخطوبة، للأسف، وبسبب ضعف نفسي، رجعت إلى تلك المعاصي مرة أخرى، وأنا نادم، وكلي ندم على العودة.
وعاقبني الله مرة أخرى بأن خطيبتي قررت فسخ الخطوبة، ولا تريد أن تكمل إطلاقا. وقد حاولت معها كثيرا، مع العلم أن تلك المشاكل قد تبدو في مظهرها بسيطة، ولا علم لأحد بالذنوب التي ارتكبتها، إلا الله. ولكن كأن الله أزال حبي من قلبها بسبب تعلقي بالمعاصي.
هذه المشكلة منذ شهر تقريبا، ومن وقتها وأنا أحاول أن أتوب إلى الله توبة نصوحا هذه المرة، وأتقرب إليه، وأصلي وأصوم، وأقوم الليل وأتصدق.
وقد أدركت خطئي فعلا، وأنوي ألا أعود لتلك الذنوب مرة أخرى أبدا، وأن أقرأ القرآن حتى يهتدي قلبي. وأحاول أن أقرأ دروس علم دينية، وأغير من نفسي للأصلح.
هل من الممكن أن يتقبل مني ربي دعائي بأن يرد خطيبتي لي مرة أخرى، ويؤلف بين قلبينا، ونتم زواجنا، ويعصمني بها من الوقوع في المعصية والفاحشة إن تبت إلى الله بقلب خاشع وصادق، أم قد يكون هذا عقابا من الله بسبب رجوعي للذنب مرة أخرى وانتكاستي؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، ومهما تكرر الذنب وتكررت التوبة فهي مقبولة -بإذن الله- قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222}.

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: أي: من الذنب، وإن تكرر غشْيانه. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبداً أصاب ذنبا -وربما قال أذنب ذنباً- فقال: رب أذنبت -وربما قال: أصبت- فاغفر لي. فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا -أو أذنب ذنبا- فقال: رب أذنبت -أو أصبت- آخر، فاغفره. فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا -وربما قال: أصاب ذنبا- قال: قال: رب أصبت -أو قال أذنبت- آخر فاغفره لي، فقال :علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؛ غفرت لعبدي ثلاثا، فليعمل ما شاء.

قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة، بل ألفا، وأكثر وتاب في كل مرة؛ قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة، صحت توبته.

وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه: ما دمت تذنب فتتوب، غفرت لك. انتهى.
فإذا تبت توبة صحيحة؛ فتوبتك مقبولة بإذن الله، ولا تكون ذنوبك التي تبت منها؛ سبباً في معاقبة الله لك في الدنيا أو في الآخرة.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا، ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدراً. انتهى.
وصحة التوبة أو عدمها؛ ليس بالضرورة سبباً في رجوع الخطيبة إليك، أو عدم رجوعها، والله تعالى هو الذي يعلم إن كان الخير في رجوعك إليها أو عدمه، ففوض أمرك إلى الله، واجتهد في تحقيق التوبة والعمل الصالح، وأبشر بكل خير من عند الله.
وننبهك إلى أنّ التوبة النصوح لا بد أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، رغبة ورهبة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده. لا كمن يتوب لحفظ جاهه، وحرمته ومنصبه ورياسته، ولحفظ حاله، أو لحفظ قوته وماله، أو استدعاء حمد الناس، أو الهرب من ذمهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل. انتهى.
 والله أعلم.

www.islamweb.net