تفنيد شبهات أن النبي شهواني، وأن عيسى ابن أحد الملائكة، وعدم وجود الصحابة

18-6-2023 | إسلام ويب

السؤال:
ما حكم الشرع في زوج له تفكير في الدين غريب، بمعنى: أنه غير واثق من الأحاديث والسنن، وقرآني فقط، ويرفض تفسير الشيوخ للقرآن، أو سماعهم، ويفسر القرآن على هواه وبالتالي: لا يصلي بالتشهد، لأنه غير موجود بالقرآن، ويصلي وهو متشكك في كيفية الصلاة، ولكنه يصلي... وغير مقتنع بوجود الصحابة وأنهم مجرد شخصيات وهمية من كتب تاريخ غير محل ثقة له، وأن تعدد زواجات الرسول صلى عليه وسلم سببه أنه رجل شهواني، وليست أوامر من الله، وأن سيدنا عيسى ابن أحد الملائكة تجسد للسيدة مريم كشخص وتزوجها... وهذا جزء من أفكاره التي يسمم بها أفكار أولادي، وبعد ما يجادلهم يقول لهم ليست لي دعوة بأفكاركم، لا تتبعوني إذا كنتم غير مقتنعين.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكر في السؤال من صفات هذا الزوج: بعضه بدعة منكرة، وبعضه ظاهره الكفر، وبعضه كفر صريح، وتكذيب للقرآن الكريم نفسه، كإطلاق القول بأن تعدد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم كان لأنه رجل شهواني، وليست أوامر من الله تعالى! فهذا على ما فيه من الطعن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاصه، والكذب عليه، وتكذيب سنته، فيه أيضا تكذيب لقول الله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب: 37 ـ 38}.

وكذلك القول بأن نبي الله عيسى - عليه السلام - ابن أحد الملائكة تجسد للسيدة مريم كشخص وتزوجها! فيه تكذيب لأصل تسميته ونسبته في القرآن، حيث لم ينسبه إلا إلى أمه، فلم يقل إلا: عيسى ابن مريم ـ ولم يذكر له إلا والدة دون والد، قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌلمائدة: 75}.

وقال عز وجل: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ {المائدة: 110}.

وفي ذلك أيضا تكذيب لوصف عيسى -عليه السلام- المنصوص عليه في القرآن، كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ  {النساء: 171}. 

وأما الموضع الذي قد يفهم خطأ ويتأول فيه هذا الشخص بأن مريم تزوجت ملكا، وهو قول الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا {مريم: 16 - 21}.

فهذا نفسه يبطل دعوى هذا الشخص؛ فإن هذا الرسول الملكي إلى مريم لم يقل إلا: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ـ ولم يقل: لأتزوجك وأنجب منك!! ثم قال بعد ذلك: كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ـ فأي آية في خلق عيسى إن كان له والد؟! كما هو واضح جلي في قول الملائكة أنفسهم، وجواب مريم، وتعقيب القرآن على ذلك بأن عيسى مخلوق بالأمر الإلهي والكلمة الربانية -كن- قال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {آل عمران: 45، 47}.

وقال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {آل عمران: 59}.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: فأما تشبيه عيسى بآدم، فلأنهما جميعاً من غير أب. اهـ.

وقال القرطبي في تفسيره: التشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم. اهـ.

وقال ابن كثير في تفسيره: إن مثل عيسى عند الله ـ في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب: كمثل آدم ـ فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل: خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ـ والذي خلق آدم قادر على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى. اهـ.

وأما عدم اقتناع هذا الشخص بوجود الصحابة وأنهم مجرد شخصيات وهمية من كتب تاريخ! فإن كان يعني أسماء، أو حوادث معينة، فهذا يُنظَر فيه تفصيلا.

وأما إن كان ينكر وجود الصحابة -رضي الله عنهم- جملة، فهذه مكابرة فجة، وإنكار للمعلوم بالضرورة، بل وتكذيب لصريح القرآن الذي ذكر الصحابة وأثنى عليهم في مواضع عديدة، كقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الفتح: 29}.

وقوله سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100}.

وقوله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة: 117}.

وقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر: 8ـ 9}.

وعلى أية حال، فزوجة هذا الرجل إن علمت أن زوجها مصر على ما هو فيه ولا يقبل منها النصح، فلتجتهد في مجالسة زوجها لأحد من أهل العلم ليزيل عنه الشبهة، وإلا أقام عليه الحجة، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة، فإن أصر بعد ذلك فلترفع أمرها للقاضي الشرعي، للنظر في حكم زوجها وبقائه على الإسلام، والتفريق بينهما، وفسخ النكاح إن حكم بردته، وإن لم يمكنها ذلك فلتسع بجهدها لمفارقته بطلاق أو خلع، وفي جميع الأحوال ينبغي عليها الحرص على تعليم أولادها ما يحتاجون إليه من أمور دينهم، وأن تمنعهم بقدر استطاعتها من النقاش معه وسماع شبهه، وانظري للفائدة الفتويين: 25570، 124564.

والله أعلم.

www.islamweb.net