حكم من حلف على ترك عمل ما، ودعا بِشَرٍّ إن عاد

2-8-2023 | إسلام ويب

السؤال:
لدي محل لبيع الملابس، تشاركني فيه أختي، وخلال شجار خفيف بيننا حلفت بالله مرتين أنني لن أعمل في المشروع مجددا، ودعوت على نفسي، وعلى أبنائي بالمرض إن عملت فيه مجددا، ولا أذكر هل نطقت بالدعاء أم كان مجرد تفكير، وغالب الظن أنه مجرد تفكير؟ مع العلم أنني مصابة بالوسواس القهري في الدعاء بالشر، والشك في النطق به، لكنني أحسست أن ذلك التفكير بالدعاء كان مقصودا، ولا أعلم هل كان وسواسا أم حقيقة؟
الآن أريد العودة للعمل، وأخاف من ذلك الدعاء. فهل أكفر عن يميني، وأعتبر ذلك الدعاء ناجما عن حالة الوسواس؟ أم أمنع نفسي من العمل؟
السؤال الثاني: إذا قَسمت المحل إلى نصفين: نصف لبيع الملابس، ونصف لتجارة أخرى غير الملابس، بإمكاني العمل في الجزء التجاري المخصص لغير الملابس، وهو خاص بي دون أختي. هل يلزم مع ذلك دفع الكفارة؟
وشكرا جزيلا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا حرج عليك في الرجوع في يمينك، ففي صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:... وَإِنِّي وَاللهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ.

وعلى فرض أنّك تلفظت بالدعاء على نفسكِ، وأولادكِ في هذه اليمين؛ فهذا لا يمنعك من الرجوع فيها. فهذه الدعوات -وإن كانت منهيا عنها شرعا- لا تستجاب -بإذن الله تعالى- وهي لغو لا كفارة فيها. جاء في تفسير الطبري عن زيد بن أسلم، في قول الله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم{البقرة: 225}.  

قال: هو كقول الرجل: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا، وكذا. انتهى.

وقال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون (11). يخبر تعالى عن حلمه، ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفا ورحمة. انتهى.

وجاء في المدونة: قال مالك: وقال عطاء في رجل قال: أخزاه الله إن فعل كذا، وكذا، ثم فعله، قال: ليس عليه شيء. انتهى.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن قال: أخزاه الله، أو أقطع يده، أو لعنه الله، إن فعل، ثم حنث، فلا كفارة عليه، نص عليه أحمد. انتهى.

وأمّا حلفكِ بالله: ففيه كفارة إذا حنثتِ، وهي كفارة واحدة على القول الراجح عندنا، لا تتكرر بتكرار اليمين مرتين.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وجملته أنه إذا حلف بجميع هذه الأشياء التي ذكرها الخرقي، وما يقوم مقامها، أو كرر اليمين على شيء واحد، مثل إن قال: والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، فحنث، فليس عليه إلا كفارة واحدة. انتهى.

وأمّا بخصوص قسمة المحل، وانفرادكِ بالتجارة في نوع آخر؛ هل يحصل به برّ اليمين أم لا؟ فهذا يتوقف الحكم فيه على معرفة نيتك باليمين؛ فإن قصدت الامتناع من مشاركة أختك في تجارة الملابس؛ فلا تحنثين بقسمة المحل، والتجارة في نوع آخر.

وأمّا إذا كنت قصدت الامتناع من التجارة في هذا المحل مطلقا؛ فإنّك تحنثين بالتجارة في النوع الآخر. وإذا لم تتبيني قصدك باليمين؛ فالمرجع إلى سبب اليمين.

 قال ابن عبد البر-رحمه الله-: والأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية، نظر إلى بساط قصته، ومن أثاره على الحلف، ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته. انتهى من الكافي في فقه أهل المدينة. 

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في عمدة الفقه:... فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فيقوم مقام نيته، لدلالته عليها. انتهى.

ونصيحتنا لك أن تعرضي عن الوساوس كلها جملة وتفصيلًا، ومما يعينك على التخلص من الوساوس: الاستعانة بالله، وصدق اللجوء إليه، وكثرة الدعاء.

وراجعي في وسائل التخلص من الوسوسة، الفتويين: 3086، 51601

والله أعلم.

www.islamweb.net