جواب شبهة حول حديث (ليردن علي ناس من أصحابي..)

11-10-2006 | إسلام ويب

السؤال:
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصيحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك).
رواه البخاري حديث رقم: 6213 وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى). رواه البخاري.
في هذين الحديثين إشارة إلى أن بعض أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد ارتدوا بعد وفاته وهو من الشبه التي يثيرها البعض حول الصحابة رضوان الله عليهم. نرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تكلم شراح الحديث على هذا الموضوع، فذكر الخطابي أن الصحب لم يرتد منهم أحد، وحمل بعضهم الحديث على المرتدين في خلافة أبي بكر، وحمله بعضهم على المنافقين وحمله بعضهم على العصاة والمبتدعة.

قال ابن حجر في الفتح في شرح قوله في حديث البخاري: قال: فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم: قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر، وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة، وقال الخطابي لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين، ويدل قوله أصيحابي بالتصغير على قلة عددهم، وقال غيره قيل هو على ظاهره من الكفر، والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة، ورجح بقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأقول بعدا لهم وسحقا ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه، وهذا يرده قوله في حديث أنس حتى إذا عرفتهم وكذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أومن مرتكبي الكبائر، وقيل هم قوم من جفاة الأعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة. وقال الداودي: لا يمتنع دخون أصحاب الكبائر والبدع في ذلك، وقال النووي قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من أجل السيما التي عليهم فيقال إنهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه. قال عياض وغيره: وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم لما كان يعرف من إسلامهم، وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام، وعلى هذا، فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض أولا عقوبة ثم  يرحموا ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا في زمنه أو بعده، ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر أنهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم، ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين، وسيأتي في حديث الشفاعة وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما، فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا، وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله أصحابي وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضا أنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا سحقا، وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضي عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء وكذا القول في أصحاب الكبائر. وقال البيضاوي: ليس قوله مرتدين نصا في كونهم ارتدوا عن الإسلام بل يحتمل ذلك ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة. انتهى.

وقال النووي في شرح مسلم:هذا مما ختلف العلماء في المراد منه على أقوال:

أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.

والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم فيقال ارتدوا بعدك.

والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب.

قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما، وقال الحافظ ابن عبد البر، كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الهوى. قال: وكذلك الظلمة المترفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر. انتهى. كلام النووي رحمه الله.

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 72556، 70135، 64710، 36106، 75439.  

والله أعلم.

www.islamweb.net