الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي الأزدي رحمه الله :

أما بعد فإن الله جل وعز بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما لأنبيائه الذين كان بعثهم قبله - صلوات الله عليه وعليهم وسلامه ورحمته وبركاته - وأنزل عليه كتابا خاتما لكتبه التي كان أنزلها قبله ومهيمنا عليها ومصدقا لها ، وأمر فيه من آمن به بترك رفع أصواتهم فوق صوته ، وترك التقدم بين يدي أمره ، وأعلمهم أنه قد تولاه فيما ينطق به بقوله عز وجل : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

وأمرهم بالأخذ بما آتاهم به والانتهاء عما نهاهم عنه بقوله عز وجل : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، ونهاهم أن يكونوا معه كبعضهم مع بعض بقوله تعالى : ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض .

وحذرهم في فعلهم ذلك إن فعلوه حبوط أعمالهم وهم لا يشعرون ، وحذر مع ذلك من خالف أمره بقوله عز وجل : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

[ ص: 6 ] قال أبو جعفر : وإني نظرت في الآثار المروية عنه صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها ، وحسن الأداء لها ، فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتها ، والعلم بما فيها عن أكثر الناس ، فمال قلبي إلى تأملها وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها ، ومن استخراج الأحكام التي فيها ، ومن نفي الإحالات عنها ، وأن أجعل ذلك أبوابا أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك منها حتى آتي فيما قدرت عليه منها ، كذلك ملتمسا ثواب الله عز وجل عليه ، والله أسأله التوفيق لذلك والمعونة عليه ، فإنه جواد كريم ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

وابتدأته بما أمر صلى الله عليه وسلم بابتداء الحاجة به مما قد روي عنه بأسانيد أنا ذاكرها بعد ذلك إن شاء الله وهو : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ، و اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .

وكانت الأسانيد التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرنا من خطبة الحاجة بها :

1 - ما قد حدثنا الحسين بن نصر بن المعارك البغدادي أبو علي ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدثنا المسعودي ، عن أبي إسحاق عن [ ص: 7 ] أبي الأحوص ، عن ابن مسعود قال : علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة ، فذكر هذا الكلام بعينه .

2 - وما قد حدثنا الحسين أيضا ، حدثنا شبابة بن سوار ، أخبرنا المسعودي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود قال : علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه .

3 - وما قد حدثنا يزيد بن سنان بن يزيد البصري أبو خالد ، [ ص: 8 ] حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، ومحمد بن كثير العبدي ، قالا : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : كان النبي عليه السلام يعلمنا خطبة الحاجة ، ثم ذكر هذا الكلام بعينه .

وزاد بشر قال شعبة : وقد أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بهذا الحديث ، وأن هذا حديث أبي عبيدة .

قال أبو جعفر : فكان هذا الذي وجدناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى من حديث ابن مسعود .

وقد روي عن ابن عباس مما يدخل في هذا المعنى أيضا :

4 - ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، وفهد بن سليمان ، قالا : حدثنا محمد بن الصلت الكوفي ، حدثنا يحيى بن زكريا ، عن داود بن أبي هند ، عن عمرو بن سعيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كلم رجل النبي عليه السلام في حاجة ؛ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل ، فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :

وقد روي عن نبيط بن شريط ما يدخل في هذا المعنى أيضا :

5 - ما حدثنا فهد ، حدثنا أبو غسان النهدي ، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري ، حدثنا أبو مالك الأشجعي .

[ ص: 9 ] عن نبيط بن شريط قال : كنت رديف أبي على عجز الراحلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب عند جمرة العقبة ، وهو يقول : الحمد لله ، نستعينه ، ونستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأني عبده ورسوله ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله .

ثم قال : فمما أنا ذاكره من الأبواب التي أنا مجري كتابي هذا على مثله إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية