الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 163 ] بسم الله الرحمن الرحيم

              قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة ، رضي الله عنه : الحمد لله المشكور على النعم بحق ما يطول به منها ، وعند شكره بحق ما وفق له من شكره عليها ، فالنعم منه والشكر له ، والمزيد في نعمه بشكره ، والشكر من نعمه لا شريك له ، المحمود على السراء والضراء ، والمتفرد بالعز والعظمة والكبرياء ، العالم قبل وجود المعلومات ، والباقي بعد فناء الموجودات ، المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها ، والمتكفل للبرية بأرزاقها قبل خلقها ، أحمده حمدا يرضيه ويزكينا لديه ، وصلى الله أولى صلواته على النبي الطاهر عبده ورسوله مفتاح الرحمة ، وخاتم النبوة ، الأول منزلة ، والآخر رسالة ، الأمين فيما استودع ، والصادق فيما بلغ . أما بعد : يا إخواني عصمنا الله وإياكم من غلبة الأهواء ومشاحنة الآراء ، وأعاذنا وإياكم من نصرة الخطأ ، وشماتة الأعداء ، [ ص: 164 ] وأجارنا وإياكم من غير الزمان وزخاريف الشيطان ، فقد كثر المغترون بتمويهاتها ، وتباهى الزائغون والجاهلون بلبسة حلتها ، فأصبحنا وقد أصابنا ما أصاب الأمم قبلنا ، وحل الذي حذرناه نبينا صلى الله عليه وسلم ، من الفرقة والاختلاف ، وترك الجماعة والائتلاف ، وواقع أكثرنا الذي عنه نهينا ، وترك الجمهور منا ما به أمرنا ، فخلعت لبسة الإسلام ، ونزعت حلية الإيمان ، وانكشف الغطا وبرح الخفا ، فعبدت الأهواء واستعملت الآراء ، وقامت سوق الفتنة وانتشرت أعلامها ، وظهرت الردة ، وانكشف قناعها ، وقدحت زناد الزندقة فاضطرمت نيرانها ، وخلف محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] في أمته بأقبح الخلف ، وعظمت البلية واشتدت الرزية ، وظهر المبتدعون وتنطع المتنطعون ، وانتشرت البدع ومات الورع ، وهتكت سجف المشاينة ، وشهر سيف المحاشة بعد أن كان أمرهم هينا وحدهم لينا وذاك حتى كان أمر الأمة مجتمعا ، والقلوب متآلفة والأئمة عادلة والسلطان قاهرا والحق ظاهرا ، فانقلبت الأعيان ، وانعكس الزمان ، وانفرد كل قوم ببدعتهم ، وحزب الأحزاب ، وخولف الكتاب ، واتخذ أهل الإلحاد رؤوسا أربابا ، وتحولت البدعة إلى أهل الاتفاق ، وتهوك في العسرة العامة وأهل الأسواق ، ونعق إبليس بأوليائه نعقة فاستجابوا له من كل ناحية ، وأقبلوا نحوه مسرعين من كل قاصية ، فألبسوا شيعا وميزوا قطعا وشمتت بهم أهل الأديان السالفة والمذاهب المخالفة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله ، وصدفهم عن الحق وميلهم إلى الباطل وإيثارهم أهواءهم ، ولله عز وجل عقوبات في خلقه عند ترك أمره ومخالفة رسله ، فأشعلت نيران البدع في الدين ، وصاروا إلى سبيل المخالفين فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضين ، وصرنا في أهل العصر الذين وردت فيهم الأخبار ورويت فيهم الآثار .

              [ ص: 166 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية