الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 63 ] المقدمة

(رب يسر وأعن بمنك ورحمتك)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علا في سمائه ، وجلا باليقين قلوب أوليائه ، وخار لهم في قدره، وبارك لهم في قضائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مؤمن بلقائه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه.

أما بعد :

فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء ، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء ، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين ، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين ، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين ، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم ، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم ، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم ، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته ، أم مفتون (بتقليده) واتباعه على ضلالته ، وأنا ذاكر في الجزء بعض ما بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحابته والأئمة (المقتدين) بسنته على وجه يحصل القطع واليقين بصحة ذلك عنهم ، ويعلم تواتر الرواية بوجوده منهم ، ليزداد من وقف عليه من المؤمنين إيمانا وينتبه من خفي عليه ذلك ، حتى يصير كالمشاهد له عيانا ، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا.

واعلم - رحمك الله - أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين [ ص: 64 ] أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد ، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا ، ولم يأت ما يكذبها ويقدح فيها ، حتى استقر ذلك في القلوب (واستيقنته) ، فقد حصل التواتر ، وثبت القطع واليقين ، (فإننا) نتيقن جود حاتم ، وإن كان لم يرد بذلك خبر واحد مرضي الإسناد ، لوجود ما ذكرنا ، وكذلك عدل عمر ، وشجاعة علي وعلمه ، وعلم عائشة وأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ، وأشباه هذا ، لا يشك في شيء من ذلك ، ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه ، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الأسانيد ، ونقل العدول المرضيين ، وكثرة الأخبار وتخريجها (فيما) لا يحصى عدده ، ولا يمكن حصره من دواوين الأئمة والحفاظ ، وتلقي الأمة لها بالقبول (وروايتهم لها) من غير معارض يعارضها ، ولا منكر (ممن يسمع) منه لشيء منها أولى ، سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.

قال الله تعالى : ثم استوى على العرش في مواضع من كتابه ، وقال تعالى : أأمنتم من في السماء في موضعين ، وقال تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب ، وقال سبحانه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه [ ص: 65 ] ، وقال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه ، وقال لعيسى : إني متوفيك ورافعك إلي ، وقال تعالى : بل رفعه الله إليه ، وقال تعالى : وهو القاهر فوق عباده ، وقال سبحانه وتعالى : يخافون ربهم من فوقهم ، وأخبر عن فرعون أنه قال : يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ، يعني أظن موسى كاذبا (في أن الله إلهه في السماء) ، والمخالف في هذه المسألة (قد أنكر هذا) يزعم أن موسى كاذب في هذا بطريق (القطع) واليقين ، مع مخالفته لرب العالمين ، وتخطئته لنبيه الصادق الأمين ، وتركه منهج الصحابة والتابعين ، والأئمة السابقين ، وسائر الخلق أجمعين . نسأل الله تعالى أن يعصمنا من البدع برحمته ، ويوفقنا لاتباع سنته .

[ ص: 66 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية