الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                      1- "اسم" [في التسمية] صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك, لأن أصل الكلام "بالله" وحذفت الألف من "بسم" من الخط تخفيفا لكثرة الاستعمال، واستغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط فلو كتبت "باسم الرحمن" أو "باسم القادر" أو "باسم القاهر" لم تحذف الألف، والألف في "اسم" ألف وصل، لأنك تقول: "سمي" وحذفت لأنها ليست من اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                      (1) اسم، لأنك تقول إذا صغرته: "سمي"؛ فتذهب "الألف". وقوله: (وامرأته حمالة الحطب) ، وقوله: (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) فهذا موصول؛ لأنك تقول: "ثنيا عشر" و"مريئة". و (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) موصول؛ لأنك تقول: "ثنيتا عشرة"، وقال: (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما) ، وقال: (ما كان أبوك امرأ سوء) ، لأنك تقول في "اثنين": "ثنيين" وفي "امرئ": "مرئ"؛ فتسقط "الألف".

                                                                                                                                                                                                                      وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها، لما أرادوا استئنافه لم يصلوا إلى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه "الألف" ليصلوا إلى الكلام بها.

                                                                                                                                                                                                                      فإذا اتصل بشيء قبله استغني عن هذه "الألف"، وكذلك كل "ألف" كانت في أول فعل، أو مصدر؛ وكان "يفعل" من ذلك الفعل "ياؤه" مفتوحة؛ فتلك

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4 ] "ألف" وصل نحو قوله: (وإياك نستعين) (اهدنا) ؛ لأنك تقول: "يهدي" فالياء مفتوحة، وقوله: (أولئك الذين اشتروا الضلالة) و: (يا هامان ابن لي صرحا) ، وقوله: (وعذاب * اركض برجلك) ، وأشباه هذا في القرآن كثير.

                                                                                                                                                                                                                      والعلة فيه كالعلة في "اسم"، و "اثنين" وما أشبهه؛ لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه "الألف" ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا.

                                                                                                                                                                                                                      وكل هذه "الألفات" اللواتي في الفعل إذا استأنفتهن مكسورات، فإذا استأنفت قلت (اهدنا الصراط) ، (ابن لي) ، (اشتروا الضلالة) ، إلا ما كان منه ثالث حرفه مضموما فإنك تضم أوله. وإذا استأنفت، تقول: (اركض برجلك) ، وتقول (اذكروا الله كثيرا) .

                                                                                                                                                                                                                      وإنما ضمت هذه "الألف" إذا كان الحرف الثالث مضموما؛ لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفا ساكنا؛ فثقل عليهم أن يكونوا في كسر ثم يصيروا إلى الضم فأرادوا أن يكونا جميعا مضمومين؛ إذا كان ذلك لا يغير المعنى.

                                                                                                                                                                                                                      وقالوا في بعض الكلام في "المنتن": منتن"؛ وإنما هي من ""أنتن" فهو "منتن"؛ مثل "أكرم" فهو "مكرم"؛ فكسروا "الميم" لكسرة التاء، وقد ضم بعضهم التاء فقال: "منتن" لضمة "الميم". وقد قالوا في "النقد": "النقد" فكسروا النون لكسرة القاف.

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5 ] وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه أحد الحروف الستة نحو "شعير".

                                                                                                                                                                                                                      والحروف الستة: "الخاء" و"الحاء" و"العين" و"الغين" و"الهمزة" و"الهاء".

                                                                                                                                                                                                                      وما كان على "فعل" مما في أوله هذه "الألف" الزائدة فاستئنافه أيضا مضموم نحو: (اجتثت من فوق الأرض) ؛ لأن أول "فعل" أبدا مضموم، والثالث من حروفها أيضا مضموم.

                                                                                                                                                                                                                      وما كان على "أفعل" فهو مقطوع "الألف"؛ وإن كان من الوصل، لأن "أفعل" فيها "ألف" سوى "ألف" الوصل، وهي نظيرة "الياء" في "يفعل". وفي كتاب الله عز وجل (ادعوني أستجب لكم) ، وقال: (أنا آتيك به) و (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي) .

                                                                                                                                                                                                                      وما كان من نحو "الألفات" اللواتي ليس معهن "اللام" في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة؛ تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: (هذا أخي له تسع) ، وقوله: (يا أبانا) ، وقوله: (إنها لإحدى الكبر) ،

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 6 ] و (قالت إحداهما) و (حتى إذا جاء أحدهم) ؛ لأنها إذا صغرت؛ ثبتت "الألف" فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أحيدى"، و "أحد": "أحيد"، و "أبانا": "أبينا"، وكذلك "أبيا" و "أبيون"، وكذلك (من المهاجرين والأنصار) و (أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) ، لأنك تقول في "الأنصار": "أنيصار"، وفي "الأبناء": "أبيناء" و "أبينون".

                                                                                                                                                                                                                      وما كان من "الألفات" في أول فعل أو مصدر، وكان "يفعل" من ذلك الفعل "ياؤه" مضمومة؛ فتلك "الألف" مقطوعة؛ تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال؛ نحو قوله: (بما أنزل إليك) ؛ لأنك تقول: "ينزل". فالياء مضمومة. و (ربنا آتنا) تقطع؛ لأن الياء مضمومة؛ لأنك تقول: "يؤتي". وقال: (وبالوالدين إحسانا) و (وإيتاء ذي القربى) ؛ لأنك تقول: "يؤتي"، و "يحسن" . وقوله: (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي) ، (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) فهذه موصولة؛ لأنك تقول: "يأتي"، فالياء مفتوحة، وإنما "الهمزة" التي في قوله: (وقال الملك ائتوني به) "همزة" كانت من الأصل في موضع "الفاء" من الفعل؛ ألا ترى أنها ثابتة في "أتيت" وفي "أتى" لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه - إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (آتنا) ؛ يكون من أتى" و "آتاه الله"، كما تقول: "ذهب وأذهبه الله"، ويكون على "أعطنا"؛ قال (فآتهم عذابا) على "فعل"و "أفعله غيره".

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية