الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              ثم قال: "فصل: وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى قوله: الرحمن على العرش استوى ، أنه استولى وملك وقهر، وأن الله في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.

                                                              ولو كان هذا كما قالوا لكان لا فرق بين العرش والأرض السابعة، لأن الله قادر على كل شيء، والأرض فالله قادر عليها، وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فالله تعالى لو كان مستويا على العرش - بمعنى الاستيلاء - فهو [ ص: 286 ] علا وعز - مستو على الأشياء كلها، على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش، وعلى الأقذار -تعالى الله -; لأنه قادر على الأشياء مستول عليها، وإذا كان قادرا على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن الله مستو على الحشوش، والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص العرش دون الأشياء كلها.

                                                              ثم ذكر دلالات من القرآن والحديث والعقل والإجماع.

                                                              وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري - في "كتاب الإبانة" له أيضا: فإن قال قائل: أتقولون: إنه في كل مكان. قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه فقال : الرحمن على العرش استوى ، وقال : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، وقال : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض .

                                                              قال: ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة، إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن نرغب إليه نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا، وإلى شمالنا; وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه.

                                                              [ ص: 287 ] وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "عقيدته": طريقتنا طريقة المتبعين لكتاب الله والسنة وإجماع الأمة فيما اعتقدوه: أن الأحاديث التي ثبتت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرش، واستواء الله، يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه، ولا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه.

                                                              وقد تقدم حكاية كلام أبي عمر بن عبد البر في "كتاب الاستذكار".

                                                              وقال في "التمهيد" لما ذكر حديث النزول: هذا حديث ثابت النقل من جهة الإسناد، ولم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سماوات.

                                                              كما قال الجماعة.

                                                              وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم: إن الله بكل مكان. ثم ذكر الاحتجاج لقول الجماعة وأطال.

                                                              [ق253] وفي "كتاب السنة" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، عن سعيد بن [ ص: 288 ] عامر الضبعي - إمام أهل البصرة علما ودينا، من شيوخ الإمام أحمد -: أنه ذكر عنده الجهمية، فقال: هم شر قولا من اليهود والنصارى، قد أجمع اليهود والنصارى مع المسلمين أن الله على العرش. وقالوا هم: ليس عليه شيء.

                                                              وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم أيضا في "كتاب الرد على الجهمية": قال عبد الرحمن بن مهدي: أصحاب جهم يعتقدون أن الله لم يكلم موسى، ويريدون أن يقولوا: ليس في السماء شيء، وأن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا، وإلا قتلوا.

                                                              وحكي عن عاصم بن علي - شيخ الإمام أحمد والبخاري - قال: ناظرت جهميا فتبين من كلامه، أنه لا يؤمن أن في السماء ربا.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية