الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 539 ] وسئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة من الفساد ومنهم من يقول : إن غاية التحقيق وكمال سلوك الطريق ترك التكليف .

                بحيث أنه إذا ألزم بالصلاة يقوم ويقول : خرجنا من الحضرة ووقفنا بالباب .

                التالي السابق


                فأجاب : أما من جعل كمال التحقيق الخروج من التكليف .

                فهذا مذهب الملاحدة من القرامطة والباطنية ومن شابههم من الملاحدة المنتسبين إلى علم أو زهد أو تصوف أو تزهد يقول : أحدهم إن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة فإذا حصلت زال عنه التكليف ومن قال : هذا فإنه كافر مرتد باتفاق أئمة الإسلام فإنهم متفقون على أن الأمر والنهي جار على كل بالغ عاقل إلى أن يموت قال تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .

                قال الحسن البصري : لم يجعل الله لعمل المؤمن غاية دون الموت ; وقرأ هذه الآية .

                و " اليقين " هنا ما بعد الموت .

                كما قال تعالى في الآية الأخرى : { وكنا نكذب بيوم الدين } { حتى أتانا اليقين } ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في [ ص: 540 ] الحديث الصحيح { لما مات عثمان بن مظعون : أما عثمان فإنه أتاه اليقين من ربه } وقد سئل الجنيد بن محمد - رحمه الله تعالى - عمن يقول : إنه وصل من طريق البر إلى أن تسقط عنه الأعمال .

                فقال : الزنا والسرقة وشرب الخمر خير من قول هؤلاء ولقد صدق الجنيد - رحمه الله - فإن هذه كبائر وهذا كفر ونفاق والكبائر خير من الكفر والنفاق .

                وقول الواحد من هؤلاء : خرجنا من الحضرة إلى الباب كلمة حق أريد بها باطل فإنهم خرجوا من حضرة الشيطان إلى باب الرحمن كما يحكى عن بعض شيوخ هؤلاء : أنهم كانوا في سماع فأذن المؤذن فقام إلى الصلاة .

                فقال : كنا في الحضرة فصرنا إلى الباب ولا ريب أنه كان في حضرة الشيطان فصار على باب الرحمن أما كونه أنه كان في حضرة الله فصار على بابه ; فهذا ممتنع عند من يؤمن بالله ورسوله فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم { بأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد } " وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن } .

                وفي الصحيح عن ابن مسعود .

                عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه [ ص: 541 ] سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على مواقيتها } وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أول ما يحاسب عليه العبد من عمله صلاته } وآخر شيء وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته الصلاة وكان يقول { جعلت قرة عيني في الصلاة } " وكان يقول : { أرحنا يا بلال بالصلاة } " ولم يقل أرحنا منها فمن لم يجد قرة عينه وراحة قلبه في الصلاة فهو منقوص الإيمان .

                قال الله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .

                وقال النبي صلى الله عليه وسلم { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } .

                وهذا باب واسع لا ينكره من آمن بالله ورسوله .




                الخدمات العلمية