الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أم يقولون افتراه أم منقطعة وهي مقدرة ببل والهمزة عند سيبويه والجمهور أي بل يقولون وبل انتقالية والهمزة لإنكار الواقع واستبعاده أي ما كان ينبغي ذلك وجوز أن تكون للتقرير لإلزام الحجة والمعنيان على ما قيل متقاربان، وقيل: إن أم متصلة ومعادلها مقدر أي أتقرون به أم تقولون افتراه وقيل: هي استفهامية بمعنى الهمزة وقيل: عاطفة بمعنى الواو والصحيح الأول وأيا ما كان فالضمير المستتر للنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يذكر لأنه معلوم من السياق قل تبكيتا لهم وإظهارا لبطلان مقالتهم الفاسدة إن كان الأمر كما تقولون فأتوا بسورة طويلة كانت أو قصيرة مثله في البلاغة وحسن الارتباط وجزالة المعنى على وجه الافتراء وحاصله على ما قيل: إن كان ذاك افتراء مني فافتروا سورة مثله فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرنا واعتيادا في النظم والنثر وعلى هذا فالمراد بإتيان المخاطبين بذلك إنشاؤهم له والتكلم به من عند أنفسهم لا ما يعم ذلك وإيراده من كلام الغير ممن تقدم وجوز أن يكون المراد ما ذكر ولعله السر في العدول عن قولوا سورة مثله مثلا إلى ما في النظم الكريم أي إن كان الأمر كما زعمتم فأتوا من عند أنفسكم أو ممن تقدمكم من فصحاء العرب وبلغائها كامرئ القيس وزهير وأضرابهما بسورة مماثلة له في صفاته الجليلة فحيث عجزتم عن ذلك مع شدة تمرنكم ولم يوجد في كلام أولئك وهم الذين نصبت لهم المنابر في عكاظ الفصاحة والبلاغة وبهم دارت رحا النظم والنثر وتصرمت أيامهم في الإنشاء والإنشاد دل على أنه ليس من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر وقرئ (بسورة مثله) على الإضافة أي بسورة كتاب مثله وادعوا للمعاونة والمظاهرة

                                                                                                                                                                                                                                      من استطعتم دعاءه والاستعانة به من آلهتكم التي تزعمون أنها ممدة لكم في المهمات والملمات والمداراة الذين [ ص: 119 ] تلجأون إليهم في كل ما تأتون وتذرون من دون الله متعلق بادعوا كما قيل و (من) ابتدائية على معنى أن الدعاء مبتدأ من غيره تعالى لا ملابسة له معه جل شأنه بوجه وجوز أن يكون متعلقا بما عنده ومن بيانية أي ادعوا من استطعتم من خلقه ولا يخلو عن حسن

                                                                                                                                                                                                                                      وفائدة هذا القيد قيل: التنصيص على براءتهم منه تعالى وكونهم في عدوة المضادة والمشاقة وليس المراد به إفادة استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه فإن ذلك مما يوهم أنهم لو دعوه لأجابهم إليه وقد يقال: لا بأس بإفادة ذلك لأن الاستبداد المذكور مما يؤيد المقصود وهو كون ما أتى به صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن من عند نفسه بل هو منه تعالى والإيهام مما لا يلتفت إليه فإن دعاءهم إياه تعالى بمعنى طلبهم منه سبحانه وتعالى أن يأتي بما كلفوه مستبدا به مما لا يكاد يتصور لأنه ينافي زعمهم السابق كما لا يخفى فتأمل إن كنتم صادقين 38 في أني افتريته فإن ذلك مستلزم لإمكان الإتيان بمثله وهو أيضا مستلزم لقدرتكم عليه وجواب إن محذوف لدلالة المذكور عليه وفي هذه الآية دلالة على إعجاز القرآن لأنه عليه الصلاة والسلام تحدى مصاقع العرب بسورة ما منه فلم يأتوا بذلك وإلا لنقل إلينا لتوفر الدواعي إلى نقله وزعم بعض الملاحدة أنه لا يلزم من عجزهم عن الإتيان بذلك كونه من عند الله تعالى قطعا فإنه قد يتفق في الشخص خصوصية لا توجد في غيره فيحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان مخصوصا بهذه المرتبة من الفصاحة والبلاغة ممتازا بها عن سائر العرب فأتى بما أتى دونهم وقد جاء من بعض الطرق أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش . وأجيب بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كان في أقصى الغايات من الفصاحة حتى كأن الله تعالى شأنه وعزت قدرته مخض اللسان العربي وألقى زبدته على لسانه صلى الله تعالى عليه وسلم فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهره إلا رجع فارغ السجل إلا أن كلامه صلى الله عليه وسلم لا يشبه ما جاء به من القرآن وكلام شخص واحد متشابه كما لا يخفى على ذوي الأذواق الواقفين على كلام البلغاء قديما وحديثا

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأنه لا يدفع ذلك الزعم لما فيه ظاهرا من تسليم كون كلامه عليه الصلاة والسلام معجزا لا تستطاع معارضته وحينئذ العجز عن معارضة القرآن يجعله دائرا بين كونه كلامه تعالى وكونه كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يثبت كونه كلام الله عز وجل إلا بضم امتيازه على كلامه صلى الله عليه وسلم والزاعم لم يدع لزوم كونه من عند الله تعالى قطعا من عجزهم عن الإتيان بذلك وأيضا ينافي هذا التسليم ما تقدم في بيان حاصل فأتوا بسورة مثله حيث علل بأنكم مثلي في العربية والفصاحة إلخ ومن هنا قيل: الأوجه في الجواب أن يلتزم عدم إعجاز كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم مع كونه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب ولا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل وأطال بعضهم الكلام في هذا المقام وبعض أدرج مسألة خلق الأفعال في البين وجعل مدار الجواب مذهب الأشعري فيها ولعل الأمر غني عن الإطالة عند من انجاب عن عين بصيرته الغين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية