الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون

"طائفتان" مرفوع بإضمار فعل، والطائفة: الجماعة، وقد تقع على الواحد، واحتج [ ص: 13 ] لذلك بقوله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ، ورأى بعض الناس أنه يجزى أن يشهد حدا الزناة رجل واحد، فهذه الآية الحكم فيها في الأفراد وفي الجماعات واحد.

واختلف الناس في سبب هذه الآية، فقال أنس بن مالك والجمهور: سببها ما وقع بين المسلمين والمتحزبين منهم أيضا مع عبد الله بن أبي ابن سلول حين مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متجه لزيارة سعد بن عبادة رضي الله عنه في مرضه، فقال عبد الله بن أبي لما غشيه حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغبروا علينا، ولقد آذانا نتن حمارك، فرد عليه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الحديث بطوله فتلاحى الناس حتى وقع بينهم ضرب بالجريد، ويروى بالحديد.

وقال أبو مالك ، والحسن : سببها: أن فرقتين من الأنصار وقع بينهما قتال، فأصلحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جهد ونزلت الآية في ذلك.

وقال السدي : كانت بالمدينة امرأة من الأنصار يقال لها أم بدر، ولها زوج من غيرهم، فوقع بينهما شيء أوجب أن يأنف لها قومها وله قومه، فوقع قتال نزلت الآية بسببه.

[ ص: 14 ] و"بغت" معناه: طلبت العلو بغير الحق، ومدافعة الفئة الباغية تتوجه في كل حال، وأما التهيؤ لقتالها فمع الولاة، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أمشركون أهل صفين والجمل؟ قال: لا، من الشرك فروا، قيل: أفمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حكم الله تعالى في الفئة الباغية ألا يجهز على جريح، ولا يطلب هارب، ولا يقتل أسير". و "تفيء" معناه: ترجع، و"الإقساط": الحكم بالعدل.

قوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة ، يريد إخوة الدين، وقرأ الجمهور من القراء: "بين أخويكم" وذلك رعاية لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر، والجماعة متى قصدوا الإصلاح فإنما هو بين رجلين رجلين، وقرأ ابن عامر ، والحسن - بخلاف عنه-: "بين إخوتكم"، وقرأ ابن مسعود وزيد بن ثابت ، وابن سيرين ، والحسن ، وعاصم الجحدري، وثابت البناني وحماد بن سلمة : "بين إخوانكم"، وهي حسنة لأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من غير النسب إخوان، والأكثر من النسب إخوة وإخاء، قال الشاعر:


وجدتم أخاكم بيننا إذ نسيتم وأي بني الإخاء تنبو مناسبه؟.



وقد تتداخل هذه الجموع، وكلها في كتاب الله تعالى، فمنه: إنما المؤمنون إخوة ، [ ص: 15 ] ومنه "أو بيوت إخوانكم"، فهذا جاء على الأقل من الاستعمال.

التالي السابق


الخدمات العلمية