الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، بسند واه، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله خلق شمسين من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه [ ص: 268 ] يدعها شمسا، فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها، ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمرا، فإنه خلقها دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الشمس كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولم يدر الصائم متى يصوم ومتى يفطر، ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم، وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب، فأرسل جبريل، فأمر جناحه عن وجه القمر، وهو يومئذ شمس، ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور، فذلك قوله : وجعلنا الليل والنهار آيتين " الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "دلائل النبوة"، وابن عساكر ، عن سعيد المقبري، أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر، فقال : "كانا شمسين" . فقال : "قال الله : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل . فالسواد الذي رأيت هو المحو" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في "المصاحف"، عن علي في قوله : فمحونا آية الليل . قال : هو السواد الذي في القمر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 269 ] وأخرج ابن مردويه عن علي في الآية قال : كان الليل والنهار سواء، فمحا الله آية الليل فجعلها مظلمة، وترك آية النهار كما هي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : فمحونا آية الليل . قال : هو السواد بالليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : وجعلنا الليل والنهار آيتين . قال : كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار، فمحونا آية الليل . قال : السواد الذي في القمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في "المصنف"، وابن المنذر ، عن مجاهد قال : كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء؛ أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة؟ وأي مكان طلعت فيه الشمس ولم تطلع فيه قبل ولا بعد؟ وعن السواد الذي في القمر . فسأل ابن عباس، فكتب إليه : أما المكان الأول فهو ظهر الكعبة، وأما الثاني : فالبحر حين فرقه الله لموسى ، وأما السواد الذي في القمر فهو المحو .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة في الآية قال : خلق الله نور الشمس سبعين جزءا، ونور القمر سبعين جزءا، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا، فجعله مع نور الشمس، فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءا، والقمر [ ص: 270 ] على جزء واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في الآية قال : كانت شمس بالليل وشمس بالنهار، فمحا الله شمس الليل، فهو المحو الذي في القمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : فمحونا آية الليل . قال : انظر إلى الهلال ليلة ثلاث عشرة، أو أربع عشرة، فإنك ترى فيه كهيئة الرجل آخذا برأس رجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . قال : ظلمة الليل وسدف النهار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : لتبتغوا فضلا من ربكم . قال : جعل لكم سبحا طويلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب قال : أخبرني غير واحد أن قاضيا من قضاة الشام أتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين، رأيت رؤيا أفظعتني . قال : وما رأيت؟ قال : رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين . قال : فمع [ ص: 271 ] أيهما كنت؟ قال : مع القمر على الشمس . قال عمر : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا أبدا . قال عطاء : فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن علي بن ربيعة قال : سأل ابن الكواء عليا عن السواد الذي في القمر . قال : هو قول الله تعالى : فمحونا آية الليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : فصلناه يقول : بيناه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية