الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الموضع الثاني ]

[ المسافة التي يجب فيها القصر ]

وأما اختلافهم في الموضع الثاني ، ( وهي المسافة التي يجوز فيها القصر ) ، فإن العلماء اختلفوا في ذلك أيضا اختلافا كثيرا ، فذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وجماعة كثيرة إلى أن الصلاة تقصر في أربعة برد ، وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والكوفيون : أقل ما تقصر فيه الصلاة ثلاثة أيام ، وإن القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق .

وقال أهل الظاهر : القصر في كل سفر قريبا كان أو بعيدا .

والسبب في اختلافهم : معارضة المعنى المعقول من ذلك للفظ ، وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر أنه لمكان المشقة الموجودة فيه مثل تأثيره في الصوم ، وإذا كان الأمر على ذلك ، فيجب القصر حيث المشقة .

وأما من لا يراعي في ذلك إلا اللفظ فقط ، فقالوا : قد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - : " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة " فكل من انطلق عليه اسم مسافر جاز له القصر والفطر ، وأيدوا ذلك بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يقصر في نحو السبعة عشر ميلا " وذهب قوم إلى خامس كما قلنا وهو أن القصر لا يجوز إلا للخائف لقوله تعالى : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ، وقد قيل إنه مذهب عائشة وقالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر ; لأنه كان خائفا .

وأما اختلاف أولئك الذين اعتبروا المشقة فسببه اختلاف الصحابة في ذلك ، وذلك أن مذهب الأربعة برد مروي عن ابن عمر ، وابن عباس ، ورواه مالك ، ومذهب الثلاثة أيام مروي أيضا عن ابن مسعود ، وعثمان ، وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية