الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : العقل مصدر في الأصل مأخوذ من عقل البعير ، وهو منعه بالعقال من القيام ، أو مأخوذ من الحجر وهو المنع ، قال تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر [الفجر : 5]؛ لأنه يعقل صاحبه ، ويحجره عن الخطأ ، وهو مع البلوغ مناط التكليف .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : اختلف في محله ، فالجمهور من المتكلمين والشافعية أنه في القلب .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري رحمه الله تعالى في الأدب والبيهقي في الشعب ، بسند جيد ، عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : العقل في القلب ، والرحمة في الكبد ، والرأفة في الطحال ، والنفس في الرئة .

                                                                                                                                                                                                                              وأكثر الأطباء والحنفية أنه في الدماغ ، واستدل الأولون بقوله تعالى : فتكون لهم قلوب يعقلون بها [الحج : 46] وقال تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب [ق : 37] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب» .

                                                                                                                                                                                                                              فجعل صلى الله عليه وسلم صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب ، مع أن الدماغ من جملة الجسد ، ويجاب عن استدلال الأطباء أنه في الدماغ بأنه إذا فسد فسد العقل بأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ ، مع أن العقل ليس فيه ، ولا امتناع في هذا .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : اختلف في ماهيته فقيل : هو التثبت في الأمور؛؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ، وقيل : هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان .

                                                                                                                                                                                                                              وقال المحاسبي رحمه الله تعالى : هو نور يفيد الإدراك ، وذلك النور يقل ويكثر ، فإذا قوي منع ملاحقة الهوى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال إمام الحرمين رحمه الله تعالى : العقل علوم ضرورية ، يعطيها حواس السمع والبصر ، والنطق ، أو لا يكون كسبها من الحواس .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب القاموس : العقل : العلم بصفات الأشياء من حسنها ، وقبحها ، وكمالها ، ونقصانها ، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن ، ولمعان مجتمعة في الذهن ، يكون بمقدمات تستتب بها الأغراض والمصالح ، ولهيئة محمودة في الإنسان ، في حركاته وسكناته ، والحق أنه نور روحاني ، به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية ، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ . [ ص: 5 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال بعض العلماء رحمه الله تعالى : العقل أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : غريزي : وهو في كل آدمي مؤمن وكافر .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : كسبي : وهو الذي يكتسبه المرء من معاشرة العقلاء ، ويحصل للكافر أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : عطائي : وهو عقل المؤمن الذي اهتدى به للإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : عقل الزهاد ، وذكر الفقهاء : لو أومئ لأعقل الناس صرف للزهاد .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : شرفي : وهو عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشرف العقول .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : اختلف في التفضيل بين العقل والعلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الكافيجي -وهو بفتح الفاء- : التحقيق أن العلم أفضل باعتبار كونه أقرب منه بالإفضاء إلى معرفة الله تعالى وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه أصلا ومنبعا للعلم . انتهى ما في شرح الأسماء .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : حديث «أول ما خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك ، فبك آخذ ، وبك أعطي» رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن أبي أمامة وأبو نعيم عن عائشة ، قلت : وهو من الأحاديث الواهية الضعيفة وقد بينته .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في بيان غريب ما سبق .

                                                                                                                                                                                                                              اللب : بضم اللام وتشديد الموحدة : هو العقل السليم من شوائب الوهم .

                                                                                                                                                                                                                              الثقوب : قوة الإدراك للطائف العلوم ، ومهمات الأمور ، وملمات الأحوال ، كأنه يثقبها كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه .

                                                                                                                                                                                                                              الفطنة : تهيؤ قوة النفس لتصور ما يرد عليها من المعاني .

                                                                                                                                                                                                                              السياسة : الملك للناس بقرائن العقل ، ولهجته الصدق ، ونهج الحق في القيام عليهم بما يصلحهم .

                                                                                                                                                                                                                              الرذائل : الأفعال الرديئة ، وتجنبها بمخالفة الهوى ، والميل إلى منهج الهدى . [ ص: 6 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية