الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : الحلم حالة توقير وثبات في الأمور ، وتصبر على الأذى ، لا يستثير صاحبه الغضب عند الأسباب المحركة ، ولا يحمله على انتقام ، وهو شعار العقلاء ، وقد كان صلى الله عليه وسلم منه بالمحل الأعظم ، كما يشهد له قول أبي سفيان وقد قال له : يا عم أما آن لك أن تسلم ؟ «بأبي [ ص: 22 ] أنت وأمي ما أحلمك!» ولا تزيده كثرة الأذى إليه إلا حلما ، بشهادة ما تقدم ومما حصل له يوم أحد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : الصبر على الأذى جهاد النفس ، وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها؛ ولهذا شق عليه صلى الله عليه وسلم نسبة بعض المنافقين له الجور في القسمة ، لكنه حلم وصبر لما علم من جبريل ثواب الصابرين ، وأن الله تعالى يأجرهم بغير حساب ، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه ، وأما إذا كان لله تعالى فإنما يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة ، كما قال تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [التحريم : 9] وقد وقع أنه صلى الله عليه وسلم غضب لأسباب مختلفة ، مرجعها إلى أن ذلك في أمر الله تعالى ، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزجر ، فصبره وعفوه إنما كان يتعلق بنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم . وقد قال صلى الله عليه وسلم لما شج المشركون وجهه : «اللهم اهد قومي» وقال حين شغلوه عن الصلاة : «ملأ الله قلوبهم نارا» فتحمل الشجة الحاصلة في وجه جسده الشريف ، وما تحمل الشجة الحاصلة في وجه دينه المنيف ، فإن وجه الدين هو الصلاة ، فرجح حق خالقه على حقه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال القاضي في قوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اهد قومي؛ فإنهم لا يعلمون» : انظر ما في هذا القول من إجماع الفضل ، ودرجات الإحسان ، وحسن الخلق ، وكرم النفس ، وغاية الصبر والحلم؛ إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم ، حتى عفا ، ثم أشفق عليهم ، ورحمهم ، ودعا ، وشفع لهم ، فقال : «اللهم اهد واغفر» ثم أظهر الشفقة والرحمة بقوله : «لقومي» ثم اعتذر عنهم لجهلهم ، فقال : «إنهم لا يعلمون» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية