الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وابن عساكر برجال ثقات عن خوات بن جبير ، رضي الله تعالى عنه [ ص: 115 ] قال : نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن ، فأعجبنني ، فرجعت ، وأخرجت حلة لي ، فلبستها ، ثم جلست إليهن ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته ، فقال : «أبا عبد الله ما يجلسك إليهن ؟ » قال فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلطت ، وقلت : يا رسول الله جمل لي شرود ، فأنا أبتغي له قيدا ، قال : «فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته ، فألقى إلي رداءه ، ودخل في الأراك ، فكأني أنظر إلى بياض قدميه في خضرة الأراك ، فقضى حاجته ، ثم توضأ ، ثم جاء ، فقال : «أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » ثم ارتحلنا ، فجعل لا يلحقني في مسير إلا قال : «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » قال : فتعجلت إلى المدينة ، واجتنبت المسجد ، ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما طال علي ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد ، فأتيت المسجد فجعلت أصلي ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم جلس ، وطولت الصلاة؛ رجاء أن يذهب ، ويدعني ، فقال : «طول أبا عبد الله ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف» ، فقلت : والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانصرفت ، فقال : «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » فقلت : والذي بعثك بالحق نبيا ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت ، فقال : «رحمك الله مرتين أو ثلاثا» ، ثم أمسك عني ، فلم يعد لشيء مما كان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي خيثمة عن عون بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «عون ؟ » قلت : نعم يا رسول الله قال : «ادخل» ، قلت : كلي ؟ قال : «كلك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنهما قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته ، فسألت أمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا» ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال : «غدر غدر» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ، فقال للناس : «تقدموا» ، فتقدموا ، ثم قال : «تعالي حتى أسابقك» ، فسابقته ، فسبقته ، فسكت عني ، حتى حملت اللحم ، وبدنت ، ونسيت ، ثم خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : «تقدموا» ، ثم قال : «تعالي أسابقك» ، فسبقني ، فجعل يضحك ، ويقول : «هذه بتلك» .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 116 ] وروى ابن عساكر ، وابن الجوزي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لعائشة ذات يوم : «ما أكثر بياض عينك!» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن الجوزي عن ابن أبي الورد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه قال : فرأى رجلا أحمر ، فقال : «أنت أبو الورد» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي ، وابن الجوزي ، عن أنس رضي الله تعالى عنهما أن عجوزا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فقال لها ومازحها : «لا يدخل الجنة عجوز» ، وحضرت الصلاة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، وبكت بكاء شديدا ، حتى رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت عائشة : يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها : لا يدخل الجنة عجوز ، فضحك ، وقال : «أجل لا يدخل الجنة عجوز ، ولكن الله تعالى قال : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا [الواقعة : 35] وهذا لعجائز الرمص» ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ، ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة ، يكنى أبا عمير ، وكان يمازحه ، فدخل عليه فرآه حزينا فقال : «ما لي أرى أبا عمير حزينا ؟ » قالوا : يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به ، فجعل يقول : «أبا عمير ما فعل النغير ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم في علوم الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما فيرفعه على باطن قدميه ويقول : «حزقة حزقة ترق عين بقة ، اللهم إني أحبه فأحبه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي ، فيرى الصبي لسانه فيهش إليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي هريرة قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فثقل على القوم بعض متاعهم ، فجعلوا يطرحونه علي ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أنت زاملة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في الأدب وابن عساكر عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال : ثقل على القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ابسط كساءك» فجعلوا فيه متاعهم فقال [ ص: 117 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احمل فأنت سفينة» ، قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير ، أو بعيرين ، أو ثلاثة -حتى بلغ سبعة- ما ثقل علي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر الشافعي عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان إذا أعيا بعض القوم ألقى علي سيفه ، ألقى علي ترسه ، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت سفينة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر بن أبي خيثمة ، وأبو سعيد بن الأعرابي ، وأبو بكر الشافعي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ذا الأذنين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على ظهره ، فإذا سجد نحاه .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الحسن ، فأقبل ، ثم تمرغ عليه ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فقبل زبيبته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك ، والحاكم عن أبي جعفر الخطمي أن رجلا كان يكنى أبا عمرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أم عمرة» فضرب الرجل بيده إلى مذاكره ، فقال : والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أنا بشر أمازحكم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن حصين والد عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها فخرج إليه الحسن أو الحسين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ارق بأبيك ، عين بقة» ، وأخذ بإصبعه يرقى على عاتقه ، ثم خرج الآخر : الحسن أو الحسين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مرحبا ارق ، بأبيك عين بقة» وأخذ بإصبعه ، فاستوى على عاتقه الآخر ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقفيتهما حتى وضع أفواههما على فيه ، ثم قال : «اللهم إني أحبهما فأحبهما ، وأحب من يحبهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو محمد الرامهرمزي بسنده قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن يحيى [ ص: 118 ] المرسي ، حدثنا أبو خالد يزيد بن خالد ، عن عبد الله بن وهب المصري ، حدثنا سروح بن شهاب ، عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على ظهره ، وهو يقول : «نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو محمد : هذا من مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي منقبة تفرد بها الحسن والحسين ، وتضمن من الفقه إطلاق تشبيه الإنسان بالبهيمة إذا شاركها في بعض فعلها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عدي : حدثنا عمران بن موسى بن فضالة قال : حدثنا عيسى بن عبد الله بن سليمان قال : أخبرنا ابن شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير به .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية