الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8613 - من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله (د) عن سمرة - (ح)

التالي السابق


(من جامع المشرك) بالله والمراد الكافر، ونص على الشرك لأنه الأغلب حينئذ (وسكن معه) أي في ديار الكفر (فإنه مثله) أي من بعض الوجوه؛ لأن الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله، ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفران، قال الزمخشري : وهذا أمر معقول، فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان، قال:


تود عدوي ثم تزعم أنني. . . صديقك ليس النول عنك بعازب



وفيه إبرام وإلزام بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم، والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم لا يتخذ المؤمنون [ ص: 112 ] الكافرين أولياء من دون المؤمنين والمؤمن أولى بموالاة المؤمن، وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه، فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة، من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين، ولا يضرهم أن يبارزوا من لا يجاريهم من الكافرين، ذكره الحرالي، وفي الزهد لأحمد عن ابن دينار: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي، ولا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تركبوا مراكب أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي، وقوله "من جاء مع المشرك" ظن بعضهم أن معناه أتى معه مناصرا وظهيرا، فـ "جاء" فعل ماض، و "مع المشرك" جار ومجرور، وقال بعضهم: معناه نكح الشخص المشرك يعني إذا أسلم فتأخرت عنه زوجته المشركة حتى بانت منه، فحذر من وطئه إياها، ويؤيده ما روي عن سمرة بن جندب مرفوعا: لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم، وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر

[تنبيه] قال ابن تيمية: المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، والمشاركة في الهدى الظاهر توجب مناسبة وائتلافا وإن بعد المكان والزمان، وهذا أمر محسوس، فمرافقتهم ومساكنتهم ولو قليلا سبب لوقوع ما مر واكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، ولما كان مظنة الفساد خفيا غير منضبط علق الحكم به وأدير التحريم عليه، فمساكنتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، فيصير مساكن الكفار مثله، وأيضا المشاركة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة، وهذا مما يشهد به الحس، فإن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم بموجب الطبع، وإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف المشابهة في الأمور الدينية؟ فالموالاة للمشركين تنافي الإيمان ومن يتولهم منكم فإنه منهم

(د عن سمرة) بن جندب، رمز المصنف لحسنه، وفيه سليمان بن موسى الأموي الأشدق، قال في الكاشف: قال النسائي : ليس بالقوي، وقال البخاري : له مناكير.



الخدمات العلمية