الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 265 ] مسألة : أول ما يخرج مما تركه الميت إن ترك شيئا من المال ، قل أو كثر : ديون الله تعالى ، إن كان عليه منها شيء : كالحج ، والزكاة ، والكفارات ، ونحو ذلك ، ثم إن بقي شيء أخرج منه ديون الغرماء إن كان عليه دين فإن فضل شيء كفن منه الميت ، وإن لم يفضل منه شيء كان كفنه على من حضر من الغرماء ، أو غيرهم - فإن فضل بعد الكفن شيء : نفذت وصية الميت في ثلث ما بقي ، ويكون للورثة ما بقي بعد الوصية .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك قول الله تعالى في آيات المواريث : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( { فدين الله أحق أن يقضى ، اقضوا الله فهو أحق بالوفاء } ) وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في " كتاب الصيام ، والزكاة ، والحج " من ديواننا هذا ، فأغنى عن إعادته فالآية تعم ديون الله تعالى وديون الخلق ، والسنن الثابتة بينت أن دين الله تعالى مقدم على ديون الخلق .

                                                                                                                                                                                          وأما الكفن فقد ذكرناه في " كتاب الجنائز وصح " أن حمزة ، والمصعب بن عمير رضي الله عنهما : لم يوجد لهما شيء ، إلا شملة شملة فكفنا فيهما " .

                                                                                                                                                                                          وقال قوم : الكفن مقدم على الديون . قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأن النص جاء بتقديم الدين كما تلونا ، فإذ قد صار المال كله للغرماء بنص القرآن فمن الظلم أن يخص الغرماء بإخراج الكفن من مالهم دون مال سائر من حضر ، إذ لم يوجب ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا نظر ، ولا احتياط ، لكن حكمه أنه لم يترك شيئا أصلا ، ومن لم يترك شيئا فكفنه على كل من حضر من المسلمين ، لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { من ولي كفن أخيه أن يحسنه } فصار إحسان الكفن فرضا على كل من حضر الميت ، فهذا عموم للغرماء وغيرهم ممن حضر .

                                                                                                                                                                                          ولا خلاف في أن الوصية لا تنفذ إلا بعد انتصاف الغرماء ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 266 ] { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فمال الميت قد صار في حقوق الله تعالى ، أو للغرماء بموته - كله أو بعضه - فحرام عليه الحكم في مال غيره ، وإنما ينفذ حكمه في ماله الذي يتخلف ، فصح بهذا أن الوصية فيما يبقى بعد الدين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية