الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أحوال المسند

ولنذكر بعض ما يتعلق بالكتاب:

* قال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة":

مسند أحمد ادعى قوم فيه الصحة، وكذا في شيوخه، وصنف الحافظ ابن موسى المديني في ذلك تصنيفا، والحق أن أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنما أوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا، وبقي منها بعده بقية، وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعة، وتتبع شيخنا الحافظ أبو الفضل من كلام ابن الجوزي في "الموضوعات" تسعة أحاديث أخرجها من "المسند"، وحكم عليها بالوضع، وأنا تتبعت بعده من كلام ابن الجوزي في "الموضوعات" ما يلتحق به، فكملت نحو العشرين، ثم تعقبت كلام ابن الجوزي فيها حديثا حديثا، وظهر من ذلك أن غالبها جياد، وأنه لا يتأتى القطع بالوضع في شيء منها، بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعا إلا الفرد النادر، مع الاحتمال القوي في دفع ذلك، وسميته: "القول المسدد في الذب عن مسند أحمد"، انتهى.

* وقال في أول "القول المسدد" ما حاصله:

أنه صنفه ذبا عن هذا الكتاب العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم،

[ ص: 8 ] وجعله إمامهم صحة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه، انتهى.

* وقال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله صاحب "تاريخ دمشق" المعروف بابن عساكر - رحمه الله تعالى - في فهرسته لهذا الكتاب:

أما بعد:

فإن حديث المصطفى - عليه أفضل الصلاة والسلام - به يعرف سبل الإسلام، ويبنى عليه أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام، وقد دون جماعة من الأئمة ما وقع إليهم من حديثه، فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - ، وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله، ويرحل إليه; إذ كان مصنفه الإمام المقدم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم، مشهورا عند أرباب العلم، يبلغ عدد أحاديثه ثلاثين ألفا سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله من عالي الإسناد، وكان مقصوده - رحمه الله - في جمعه إياه أن يرجع إليه في الاعتبار من بلغه، أو رواه، ثم ذكر بسنده عن حنبل بن إسحاق أنه قال: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا "المسند"، وما سمعه منه - يعني: تاما - غيرنا، وقال: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة.

وكذا ذكر بسنده عن عبد الله: قلت لأبي - رحمه الله تعالى - : كرهت وضع الكتب، وقد عملت "المسند";! فقال: عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجع إليه.

وكذا ذكر بسنده إلى عبد الله قال: خرج أبي - رحمه الله تعالى - "المسند" من سبع مئة ألف حديث.

[ ص: 9 ] ثم قال: ومع جلالة قدر هذا الكتاب، وحسن موقفه عند ذوي الألباب، فالوقوف على المقصود منه متعسر، والظفر بالمطلوب منه بغير تعب متعذر; لأنه غير مرتب على أبواب السنن، ولا مهذب على حروف المعجم لتقريب السنن، وإنما هو مجموع على مسانيد الرواة من الرجال والنساء، لا يسلم من طلب منه حديثا من نوع ملال، إذ قد خلط فيه بين أحاديث الشاميين والمدنيين، ولم يحصل التميز بين روايات الكوفيين والبصريين، بل قد امتزج في بعضه أحاديث الرجال بأحاديث النسوان، واختلطت مسانيد القبائل بمسانيد أهل البلدان، وكثر فيه التكرار مع اتحاد المتن والإسناد، حتى ربما أعيد الحديث الواحد فيه ثلاث مرار لغير فائدة في إعادته، بل مجرد تكرار، ولست أظن ذلك - إن شاء الله - وقع من جهة أبي عبد الله - رحمه الله - ; فإن محله في هذا العلم أوفى، ومثل هذا على مثله لا يخفى.

وقد قيل: إنه توفي قبل تهذيبه، ونزل به أجله قبل ترتيبه، وإنما قرأه لأهل بيته قبل بذل مجهوده فيه; خوفا من حلول الموت دون بلوغ مقصوده فيما يرتضيه، ثم إن كتب أبي بكر بن مالك الذي رواه عن ابنه عبد الله بن أحمد غرقت، فجددت له بعد غرقها، وما حققت، فحصل فيه التكرار لهذين السببين، ووقع فيه الاختلاط من هاتين الجهتين، انتهى كلام ابن عساكر.

فليحفظ هذا; فإنه يغني عن إبداء وجه وطلب علة لما وقع من التكرار أو الاختلاط، فلا تشتغل بذلك في أثناء الشرح - إن شاء الله تعالى - .

* وذكر العلامة الطيبي في "شرح مشكاة المصابيح" أنه قال ابن الجوزي:

قال الإمام أحمد: صح - أي: من الأحاديث - سبع مئة ألف وكسر، وقال: قد جمعت في "المسند" أحاديث انتخبتها من أكثر من سبع مئة ألف وكسر، وقال: قد جمعت في "المسند" أحاديث انتخبتها من أكثر من سبع مئة ألف

[ ص: 10 ] وخمسين ألفا، فما اختلفتم فيه، فارجعوا إليه، وما لم تجدوا فيه، فليس بحجة، والمراد بهذه الأعداد الطرق لا المتون.

* ثم لنشرع في المقصود، بتوفيق الملك المعبود، فنقول:

بدأ - رحمه الله تعالى - في الكتاب بمسانيد العشرة المبشرة الذين هم أفضل الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - ، وقدم من بينهم الخلفاء الأربعة الذين هم أفضل العشرة، وذكرهم على ترتيب الخلافة; إذ الصحيح عند أهل السنة الذين هم خلاصة هذه الأمة أن فضلهم على هذا الترتيب، فها هي مسانيد العشرة:

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية