الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 82 ] وقال : فصل في العدل القولي والصدق ذكرت في مواضع شيئا من الصدق والعدل وموقعهما من الكتاب والسنة ومصالح الدنيا والآخرة وذكرت أيضا في مواضع أن عامة السيئات يدخل في الظلم وأن الحسنات غالبها عدل وأن القسط هو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب والقسط والعدل هو التسوية بين الشيئين فإن كان بين متماثلين ; كان هو العدل الواجب المحمود وإن كان بين الشيء وخلافه كان من باب قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } كما قالوا : { تالله إن كنا لفي ضلال مبين } { إذ نسويكم برب العالمين } فهذا العدل والتسوية والتمثيل والإشراك هو الظلم العظيم .

                وإذا عرف أن مادة العدل والتسوية والتمثيل والقياس . والاعتبار والتشريك والتشبيه والتنظير من جنس واحد فيستدل بهذه الأسماء على القياس الصحيح العقلي والشرعي ويؤخذ من ذلك تعبير الرؤيا فإن مداره على القياس والاعتبار والمشابهة التي بين الرؤيا [ ص: 83 ] وتأويلها . ويؤخذ من ذلك ما في الأسماء واللغات من الاستعارة والتشبيه إما في وضع اللفظ بحيث يصير حقيقة في الاستعمال وإما في الاستعمال فقط مع القرينة إذا كانت الحقيقة أحرى فإن مسميات الأسماء المتشابهة متشابهة . ويؤخذ من ذلك ضرب الأمثال للتصور تارة وللتصديق أخرى . وهي نافعة جدا وذلك أن إدراك النفس لعين الحقائق قليل وما لم يدركه فإنما يعرفه بالقياس على ما عرفته فإذا كان هذا في المعرفة ففي التعريف ومخاطبة الناس أولى وأحرى .

                ثم التماثل والتعادل ; يكون بين الوجودين الخارجين وبين الوجودين العلميين الذهنيين وبين الوجود الخارجي والذهني . فالأول يقال : هذا مثل هذا والثاني يقال فيه ; مثل هذا كمثل هذا والثالث يقال فيه : هذا كمثل هذا .

                فالمثل إما أن يذكر مرة أو مرتين أو ثلاث مرات إذا كان التمثيل بالحقيقة الخارجية كما في قوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } فهذا باب المثل وأما باب العدل فقد قال تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } وقال تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } الآية وقال : { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } وقال : { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فهذا العدل والقسط في هذه المواضع هو الصدق [ ص: 84 ] المبين وضده الكذب والكتمان .

                وذلك أن العدل هو الذي يخبر بالأمر على ما هو عليه لا يزيد فيكون كاذبا ولا ينقص فيكون كاتما والخبر مطابق للمخبر كما تطابق الصورة العلمية والذهنية للحقيقة الخارجية ويطابق اللفظ للعلم ويطابق الرسم للفظ . فإذا كان العلم يعدل المعلوم لا يزيد ولا ينقص والقول يعدل العلم لا يزيد ولا ينقص والرسم يعدل القول : كان ذلك عدلا والقائم به قائم بالقسط وشاهد بالقسط وصاحبه ذو عدل . ومن زاد فهو كاذب ومن نقص فهو كاتم ثم قد يكون عمدا وقد يكون خطأ فتدبر هذا فإنه عظيم نافع جدا .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية