الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 187 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يسألك هؤلاء القوم عن الساعة ، كأنك حفي عنها .

[ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( حفي عنها ) ] .

فقال بعضهم : يسألونك عنها كأنك حفي بهم . وقالوا : معنى قوله : "عنها" التقديم ، وإن كان مؤخرا . [ ص: 298 ]

ذكر من قال ذلك :

15480 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأن بينك وبينهم مودة ، كأنك صديق لهم . قال ابن عباس : لما سأل الناس محمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يطلع عليها ملكا ولا رسولا .

15481 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسر إلينا متى الساعة ! فقال الله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) .

15482 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، : أي حفي بهم . قال : قالت قريش : يا محمد ، أسر إلينا علم الساعة ، لما بيننا وبينك من القرابة لقرابتنا منك .

15483 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، وهانئ بن سعيد ، عن حجاج ، عن خصيف ، عن مجاهد وعكرمة : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : حفي بهم حين يسألونك .

15484 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم . قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم ، فتحدثهم .

15485 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 299 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، كأنك صديق لهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها .

ذكر من قال ذلك :

15486 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كأنك حفي عنها ) ، استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .

15487 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد في قوله : ( كأنك حفي عنها ) قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها .

15488 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها .

15489 - . . . قال : حدثنا حامد بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك تعلمها .

15490 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : يسألونك عن الساعة ، كأنك عندك علما منها ( قل إنما علمها عند ربي ) .

15491 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن بعضهم : ( كأنك حفي عنها ) ، : كأنك عالم بها .

15492 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها . وقال : أخفى علمها على [ ص: 300 ] خلقه . وقرأ : ( إن الله عنده علم الساعة ) ، [ سورة لقمان : 34 ] حتى ختم السورة .

15493 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأنك يعجبك سؤالهم إياك ( قل إنما علمها عند الله ) .

وقوله : ( كأنك حفي عنها ) ، يقول : لطيف بها .

فوجه هؤلاء تأويل قوله : ( كأنك حفي عنها ) ، إلى حفي بها ، وقالوا : تقول العرب : "تحفيت له في المسألة" ، و"تحفيت عنه" . قالوا : ولذلك قيل : "أتينا فلانا نسأل به" ، بمعنى نسأل عنه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : كأنك حفي بالمسألة عنها فتعلمها .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( حفي عنها ) ، ولم يقل : "حفي بها" ، إن كان ذلك تأويل الكلام؟

قيل : إن ذلك قيل كذلك ، لأن الحفاوة إنما تكون في المسألة ، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة ، والإكثار من السؤال عنه ، والسؤال يوصل ب "عن" مرة ، وب "الباء" مرة . فيقال : "سألت عنه" ، و"سألت به" . فلما وضع قوله : "حفي" موضع السؤال ، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما "السؤال" ، وهو "عن" ، كما قال الشاعر : [ ص: 301 ]

سؤال حفي عن أخيه كأنه بذكرته وسنان أو متواسن



وأما قوله : ( قل إنما علمها عند الله ) ، فإن معناه : قل ، يا محمد ، لسائليك عن وقت الساعة وحين مجيئها : لا علم لي بذلك ، ولا علم به إلا [ عند ] الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله ، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية