الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم اختلفوا في المراد بالسفهاء في هذا الموضع على أربعة أقاويل: أحدها: أنهم الصبيان ، وهو قول سعيد بن جبير ، والحسن. والثاني: أنهم النساء ، وهو قول ابن عمر. والثالث: أنه عنى الأولاد المسرفين أن يقسم ماله فيهم فيصير عيالا عليهم ، وهو قول ابن عباس ، وابن زيد وأبي مالك. والرابع: أنه أراد كل سفيه استحق في المال حجرا ، وهو معنى ما رواه الشعبي عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ثلاثة يدعون فلا يستجيب الله لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل أعطى مالا سفيها وقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ، ورجل له على رجل دين لم يشهد عليه. [ ص: 453 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وأصل السفيه خفة الحلم فلذلك وصف به الناقص العقل. ووصف به المفسد لماله لنقصان تدبيره ، ووصف به الفاسق لنقصانه عند أهل الدين ، والعلم. أموالكم فيه تأويلان: أحدهما: يعني أموال الأولياء ، وهو قول ابن عباس . والثاني: أنه عنى به أموال السفهاء ، وهو قول سعيد بن جبير. التي جعل الله لكم قياما قرأ نافع وابن عمر: ( قيما ) ومعناهما واحد ، يريد أنها قوام معايشكم ومعايش سفهائكم. وارزقوهم فيها واكسوهم فيه قولان: أحدهما: أي أنفقوا أيها الأولياء على السفهاء من أموالهم. وقولوا لهم قولا معروفا فيه تأويلان: أحدهما: أنه الوعد بالجميل ، وهو قول مجاهد. والثاني: الدعاء له كقوله: بارك الله فيك ، وهو قول ابن زيد. وابتلوا اليتامى أي اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم. حتى إذا بلغوا النكاح يعني الحلم في قول الجميع. فإن آنستم منهم رشدا فيه أربع تأويلات: أحدها: أن الرشد العقل ، وهو قول مجاهد ، والشعبي. والثاني: أنه العقل والصلاح في الدين ، وهو قول السدي. والثالث: أنه صلاح في الدين وإصلاح في المال ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، والشافعي . والرابع: أنه الصلاح والعلم بما يصلحه ، وهو قول ابن جريج. فادفعوا إليهم أموالهم يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم. ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا يعني لا تأخذوها إسرافا على غير ما أباح الله لكم ، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح ، فربما [ ص: 454 ]

                                                                                                                                                                                                                                        كان في الإفراط ، وربما كان في التقصير ، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال: أسرف إسرافا ، وإذا كان في التقصير قيل: سرف يسرف. قوله تعالى: وبدارا أن يكبروا قال ابن عباس : وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر ، فيحول بينك وبين ماله. ومن كان غنيا فليستعفف يعني بماله عن مال اليتيم. ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد ، وهو قول عمر ، وابن عباس ، وجمهور التابعين. والثاني: أنه يأكل ما يسد الجوعة ، ويلبس ما يواري العورة ، ولا قضاء ، وهو قول الحسن ، وإبراهيم ، ومكحول ، وقتادة . روى شعبة عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة وثابت يومئذ يتيم في حجره ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ قال: (أن تأكل بالمعروف من غير أن تقي مالك بماله ولا تتخذ من ماله وقرا) . والثالث: أن يأكل من ثمره ، ويشرب من رسل ماشيته من غير تعرض لما سوى ذلك من فضة أو ذهب ، وهو قول أبي العالية ، والشعبي. روى القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ، فماذا يحل لي منها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباءها ، وتلوط حوضها ، وتفرط عليها يوم وردها ، فاشرب من ألبانها غير مضر بنسل ، ولا بأهل في الحلب. والرابع: أن يأخذ إذا كان محتاجا أجرة معلومة على قدر خدمته ، وهو قول عطاء. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس [ ص: 455 ]

                                                                                                                                                                                                                                        لي مال ولي يتيم ، فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا واق مالك بماله)
                                                                                                                                                                                                                                        . فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ليكون بينة في دفع أموالهم إليهم. وكفى بالله حسيبا فيه قولان: أحدهما: يعني شهيدا. والثاني: كافيا من الشهود.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية