الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5904 32 - حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا ابن إدريس، قال: حدثني حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي، وكلنا فارس، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، قال: فأدركناها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب، فأنخنا بها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا، قال صاحباي: ما نرى كتابا، قال: قلت: لقد علمت ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يحلف به لتخرجن الكتاب، أو لأجردنك! قال: فلما رأت الجد مني أهوت بيدها إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجت الكتاب، قال: فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما حملك يا حاطب على ما صنعت؟ قال: ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله، وما غيرت ولا بدلت، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك هناك إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله، قال: صدق، فلا تقولوا له إلا خيرا، قال: فقال عمر بن الخطاب: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين؛ فدعني فأضرب عنقه، قال: فقال: يا عمر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، قال: فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن في بعض طرقه فتح الكتاب والنظر فيه من غير إذن صاحبه ليستبين أمره، وهو الذي مضى في [ ص: 250 ] الجهاد في باب الجاسوس، فأتينا به، أي: بالكتاب الذي أرسله حاطب مع المرأة المذكورة، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  ومضى الحديث أيضا في المغازي في غزوة بدر في باب: فضل من شهد بدرا. ويوسف بن بهلول، بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وضم اللام، التيمي الكوفي، مات سنة ثمان عشرة ومائتين، ولم يرو عنه من الستة إلا البخاري، وما له في الصحيح إلا هذا الحديث. وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد، بالزاي، الأودي، بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة. وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن. وسعد بن عبيدة، مصغر عبدة، ختن أبي عبد الرحمن، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، بضم السين المهملة وفتح اللام. والرجال كلهم كوفيون. وأبو مرثد، بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة، اسمه كناز، بفتح الكاف وتشديد النون وبالزاي، ابن حصين الغنوي، بفتح الغين المعجمة والنون وبالواو، نسبة إلى غني بن يعصر، وقد ذكر في الجهاد المقداد مكان أبي مرثد، فلا منافاة لاحتمال الاجتماع بينهما؛ إذ التخصيص بالذكر لا ينفي الغير.

                                                                                                                                                                                  قوله: " خاخ" بخاءين معجمتين؛ اسم موضع. قوله: " فإن بها امرأة" اسمها سارة، بالسين المهملة والراء. قوله: " فابتغينا"؛ أي: طلبنا في رحلها؛ أي: في متاعها. قوله: " أهوت بيدها"؛ أي: مدتها إلى حجزتها، بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم وبالزاي؛ وهي معقد الإزار، وحجزة السراويل التي فيها التكة. قوله: " إلا أن أكون" بكسر همزة إلا وفتحها، قال الكرماني: وأكثر الروايات بالكسر للاستثناء. قوله: " وما غيرت"؛ أي: الدين، يعني: لم أرتد عن الإسلام. قوله: " يد"؛ أي: منة ونعمة. قوله: " اعملوا" فيه معنى المغفرة لهم في الآخرة، وإلا فلو توجه على أحد منهم حد أو حق يستوفى منه. وقال ابن بطال: فيه هتك ستر المذنب، وكشف المرأة العاصية، والنظر في كتاب الغير إذا كان فيه نميمة على المسلمين؛ إذ حينئذ لا حرمة لكاتب ولا لصاحبه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية