الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: إطعام عشرة مساكين ، وليس فيه تقدير شيء معلوم. ورأى الشافعي أن لكل مسكين مدا من طعام. ورأى أبو حنيفة مدين، وذلك ملتقى من التوقيف المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الشروع فيه من معاني القرآن . [ ص: 97 ] واختلف علماء السلف في التغذية والتعشية، وكذلك اختلف فيه الشافعي وأبو حنيفة ، وظاهر قوله تعالى: فإطعام عشرة مساكين، يدل على جواز التغذية والتعشية على ما قاله أبو حنيفة ، إلا أن الشافعي يقول: لما قال: "فإطعام" جعل المال طعمة، لا أنه جعل الإطعام الذي يتعقبه التطعم، ولذلك جاز التمليك وليس فيه فعل الإطعام، وإنما المراد به جعل المال طعمة لهم، وقربة بقوله: أو كسوتهم ومعناه: أو مقدار كسوتهم، وفي الكسوة التمليك شرط، وكذلك في الطعام، وتمامه مستقصى في كتب الفقه.

وفي قوله: إطعام عشرة مساكين دلالة على أنه لو صرف إلى واحد جميع الطعام لا يجوز، وأصحاب أبي حنيفة يمنعون صرف الجميع إلى واحد دفعة واحدة، ويختلفون فيما إذا صرف الجميع في يوم واحد بدفعات مختلفة، والسبب في ذلك أن منهم من يراعي عند تعدد الفعل ظاهر التوقيف فيقول: إذا دفع إليه أولا، فبعد ذلك لو منعناه كنا قد خصصنا الحكم في بعض ما انتظمه الاسم دون بعض، فإن اسم المسكين يعمه مع غيره، فأما إذا دفع إليه دفعة واحدة بطل معنى العدد، فكأنهم يقولون: إذا تعدد الفعل حسن أن يقال في الفعل الثاني، لا يمنع من الذي دفعه إليه أولا، فإن اسم المسكين يناله، فهذا مأخذ قوم منهم.

واعتمد آخرون في إسقاط العدد على إقامة تعدد الجوعة بتعدد الأيام مقام أعداد المساكين، والأمران باطلان، فإن فيهما طرح العدد، وذلك لا وجه له، والذي قالوه من أنكم منعتموه مع اشتمال اسم المسكين عليه، فلم يمنعه إلا لاعتبار العدد، فإن العدد منصوص عليه فلا سبيل إلى طرحه، والذي ذكروه من إقامة عدد الأيام مقام عدد المساكين، فتحكم ذكرنا في كتب الفقه فساده. [ ص: 98 ] واحتج أصحاب الشافعي في منع القيم في الكفارات، بأن الله عز وجل ذكر الطعام والكسوة والتحرير، فلو جازت القيمة، كان على تقدير أن المقصود منه حصول هذا القدر من المال للمساكين، ولو كان المقدار مقصودا لما خير بين الإطعام والكسوة والتحرير، مع تفاوت قيمها في الغالب من الأحوال، وهو مثل احتجاج بعض أصحابنا في منع القيم، بإيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيوان شاتين أو عشرين درهما مع التفاوت غالبا، وإيجاب الصاع من التمر والزبيب والبر والشعير مع تفاوت قيمتها غالبا، فهذا أقوى الحجج في إبطال القيمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية