الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ، وفيها ، ونسيان ، ثم قال : وشهر أيضا القطع بالنسيان )

                                                                                                                            ش : يعني أن من أكل ناسيا في صوم ظهاره لم ينقطع تتابع صومه على مذهب المدونة ، وشهر أنه ينقطع ، وهكذا حله الشارحان ، ونحوه في التوضيح ، وذكر فيه أن المشهر للقول بالقطع هو صاحب البيان فأما ما نسبه للمدونة ، فهو في كتاب الظهار ، ونصه ، ومن أكل ناسيا في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع أو أكره على الفطر أو تقايأ أو ظن أن الشمس قد غربت فأكل أو أكل بعد الفجر ، ولم يعلم أو وطئ نهارا غير التي ظاهر منها ناسيا فليقض في ذلك يوما يصله ، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله انتهى قال ابن ناجي في شرحها : ما ذكره في النسيان ، والإكراه لا أعلم فيه خلافا انتهى ، وأما ما ذكره من تشهير القول بالقطع بالنسيان ففيه [ ص: 129 ] إجمال وكلامه في التوضيح يقتضي أن صاحب البيان قال في مسألة المدونة : هذه أعني من أكل ناسيا ، ثم قضى يوما وصله بصيامه : أن المشهور فيها القطع ; لأنه قال في التوضيح في قول أشهب ابن الحاجب ، وفي الخطأ ، والسهو ثالثها ينقطع بالخطأ ، والمشهور لا ينقطع ، ولو بوطء غيرها ، ويقضيه متصلا يعني اختلف هل ينقطع التتابع بالفطر سهوا كمن أفطر في يوم ناسيا أو خطأ كمن صام تسعة ، وخمسين يوما ، ثم أصبح مفطرا معتقدا أنه أكمل الصوم ، وكمن اعتقد أن الشمس غربت فأكل أو الفجر لم يطلع فأكل ، ثم تبين له خلاف ما اعتقده ؟ على ثلاثة أقوال الأول أنه ينقطع في السهو ، والخطأ ، وهو لمالك في الموازية نص فيه على القطع بالفطر ناسيا اللخمي ، وغيره ، وعليه ، فينقطع بالفطر خطأ

                                                                                                                            وفي البيان مشهور المذهب أنه لا يعذر بالنسيان في كفارة القتل ، والظهار ، والقول الثاني أنه لا ينقطع بهما قال المصنف : وهو المشهور ، وإنما عزاه اللخمي وصاحب البيان ، وغيرهما لابن عبد الحكم ، وقوله ولو بوطء غيرها يعني إن عذر في الوطء فأحرى في الأكل ، والشرب ، والقول الثالث : لا ينقطع بالسهو ; لأنه يعرض في كل جزء من أجزاء الصوم فيعسر التحرز منه بخلاف الخطأ ، وبعضهم يرى هذا الثالث ظاهر المذهب ذكره فيما إذا أصبح مفطرا بعد تسعة ، وخمسين معتقدا الإتمام ، وقوله ، ويقضيه أي ، وإذا فرعنا على عدم القطع ، وهو ظاهر انتهى كلامه برمته ، واعلم أن هنا شيئين أحدهما الفطر ناسيا ، والثاني تفرقة صوم الظهار نسيانا كما إذا صام بعض الصوم ، ثم نسي التتابع فأفطر يوما أو يومين أو أكثر ، ثم ذكر أنه لم يكمل الصيام ، وكمن أفطر لعذر ، ثم لم يصل القضاء نسيانا ، والذي قال فيه صاحب البيان : يبطل التتابع على المشهور ، هو الثاني لا الأول يظهر لك ذلك بكلامه ، وهذه المسألة في سماع سحنون ، وعزاه ابن عرفة لسماع يحيى ، ولم أرها إلا في سماع سحنون من كتاب الظهار ، ولم ينقلها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في نوادره إلا عن سحنون ، وسماع يحيى ليس فيه إلا مسألة واحدة ، فلعل ذلك وقع في نسخة الشيخ ابن عرفة ، ونص كلامه في كتاب الظهار التتابع في كفارة القتل والظهار فرض بنص التنزيل ، فلا يعذر أحد في تفرقتهما بالنسيان على المشهور في المذهب ، وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو الحيض إن كان امرأة فإن مرض الرجل فأفطر في شهري صيامه أو أكل فيهما ناسيا قضى ذلك ، ووصله بصيامه فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا أو متعمدا استأنف صيامه ، ثم قال ومحمد بن عبد الحكم : يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان ; لأنه أمر غالب كالمرض انتهى .

                                                                                                                            وكذلك كلام اللخمي قريب من ذلك ، ونصه الصوم عن الظهار شهران متتابعان حسبما ، ورد به القرآن فمن أتى به متفرقا متعمدا لم يجزه ، وإن كانت التفرقة عن مرض أجزأ ، واختلف إذا كانت عن نسيان أو خطأ ، ثم ذكر الخلاف ، وذكر ما نقله المصنف عنه في التوضيح ، ثم قال في آخر كلامه : ومن أكل في نهاره بعد أن كان بيت الصوم ناسيا قضى يوما ، ووصله بصيامه ، وأجزأه ، ولم يستأنف ; لأن بعض أهل العلم قال : إنه صوم صحيح لا يجب قضاؤه ، وقياس المذهب أن يكون بمنزلة من بيت الفطر ; لأنه لم يختلف قول مالك ، وأصحابه أنه صوم فاسد يجب قضاؤه ، ولا يحتسب به انتهى .

                                                                                                                            فقوله ، وقياس المذهب يدل على أنه ليس فيه خلاف منصوص فبان من كلامهما أنهما لم ينقلا الخلاف إلا في تفرقة النسيان لا فيمن أفطر ناسيا كما قاله المصنف في التوضيح ، وما نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو كذلك فيه لا في عزو سماع يحيى فقط ، فإني لم أره إلا في سماع سحنون كما تقدم بيانه ، ونص كلام ابن عرفة ابن رشد في سماع يحيى لا يعذر بتفرقة النسيان ، وعذره به ابن عبد الحكم انتهى ، وهذا هو الذي يظهر من كلامه في الجواهر ، ولم يذكر في التوضيح ما شهره ابن الحاجب إلا عن ابن عبد الحكم [ ص: 130 ] وقد شهره صاحب اللباب ، وذكر في المتيطية ، وفي معين الحكام مثل ما في المدونة فقط من غير ذكر خلاف ، والله أعلم .

                                                                                                                            هذا ما ظهر لي في ذلك ، ومن ظهر له الحق بعد هذا الكلام في طريق فليتبعه ، والله الهادي للصواب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية